رأي

رحلتو بعيد نسيتو!!

التجانى حاج موسى

جرس هاتفي رن رنينا ً متصل.. قلت: اللهم أجعله خير.. نظرت في قائمة الأسماء.. المتصل كان صديقي الشاعر “مختار دفع الله” صباح الخير يا صديقي.. عندي خبر محزن!! قلت له: الموت حق من رحل؟!.. “إبراهيم حسين”!! انقبض قلبي وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون!! وبدأ شريط الذكريات يترى.. يا سبحان الله!! جلت قدرة الخالق!! وكأني لمست ذراً مثبتاً في مخي وبالتحديد تلك الفرقة الصغيرة التي تحفظ أحداث حياة الإنسان.. مشاهدة متعددة متداخلة للراحل وهو جالس خلف ماكينة الخياطة بالدكان الصغير الكائن -وقتها – بالقرب من منزل الفنان “صلاح مصطفى” بالشارع المودي إلى معهد القرش بأم درمان.. فقد كان يعمل وصديقه “أحمد” بذلك الدكان الصغير.. ترزي أفرنجي.. كم لبسنا من حياكته للقمصان والبدل السفاري، وبالمحل مقاعد صغيرة كنا نجلس عليها عند عودتنا من الإذاعة.. وعنده نحتسي الشاي والقهوة وأحياناً نتناول الإفطار.. كان كريماً أجواداً مرحاً.. حكاواتي من الدرجة الأول.. جاء من كسلا الوريفة شأنه شأن كل شاب موهوب ومولع بالغناء.. وسبقه الشاعر الصديق أستاذنا “حلنقي” و”عمر الشاعر”.. والراحل “الفاتح كسلاوي” وعدد من المبدعين كانت كسلا حاضنة لمواهبهم في صباهم المبكر.. الصديق الشاعر المطبوع “هلاوي” والصديق الشاعر “عزمي أحمد خليل”.. وعدد مهول من أهل الإعلام وأهل الموسيقى والغناء من أهل كسلا.. الراحل المايسترو “محمدية” والراحل عازف الإيقاع الأول “الزبير محمد الحسن” فاستقبلت الإذاعة الراحل “إبراهيم” استقبالاً طيباً إذ لم يجد عنت أو مشقة في إقناع اللجنة المختصة بإجازة الأصوات، فقد كان موهوباً بالفطرة حباه الله بصوت ندي مشحون بالشجن والطرب.. مضافاً لذلك موهبة في صنع وتأليف الألحان العذبة.. وحضور أنيق من على خشبة المسرح وعلاقة حميمة بالمايكروفون وعزف متقن على آلة العود، وقدرة حصيفة دقيقة على اختيار نصوصه الغنائية.. (خلاص يا قلبي لو خاصم.. ضميرو يسامحوا خليهو) استرجع هذه الأغنية ودندن بها لحظتها ستدرك قدرته على التأليف الموسيقي الغنائي، فنحن إزاء قدرات عالية في التأليف.. وتجاورنا في السكن بحي العباسية بأم درمان، ذلك الحي الذي شهد البدايات والرحيل.. مع ساعة الغروب مشيت أسأل عليكم.. حليلكم يا أحبة حليل أيامه فيكم) وبرغم العلاقة الأولية المباشرة والصداقة الحميمية بكل أبعادها، لم ألتق معه إلا في عمل غنائي واحد (معذورين ولو عارفين حكايتي معاهو.. تعذروني.. لأنو الما يسقي الياسمين ما بعرف غلاوة الند.. ولو بعرف نداوة الخد.. ولا بعرف كلام العين).
سجلها للإذاعة في بداية ثمانينيات القرن الماضي.. وجمعته مع أستاذنا “حلنقي” ثنائية إبداعية غنائية أثرت حديقة الغناء السوداني المعاصر.. وشعت نجوميته وأمتد شعاعها للدول الأفريقية المجاورة وأحي حفلات متعددة بها وغنى بالعديد من لهجات تلك الدول.. وصارت (نجمة نجمة الليل نعدو.. السنين يا حليلنا عدو وأنت ما عارف عيونك لما تسرح وين بودو) صارت حداء المحبين والمغنين والمغنيات الشباب.. أصيب قبل اثنتي عشرة سنة بجلطة أقعدته عن الحركة.. لكنه اجتازها عبر السنوات بصبر الأنبياء وبإرادة لا تفلها الخطوب.. واستعاد صوته الجميل وشيد منزل الأسرة وكبر أولاده وأدى واجبه نحو جمهوره وأسلم الروح بهدوء.. يلفنا الحزن لكن الموت الذي يأتي لكل كائن حي.. يا خالق الوجود.. قبضت روح عبدك “إبراهيم حسين” وأنت خلقته وتعلم دخيلته فترفق به وأرحمه رحمة واسعة ونشهد له أنه يحب الخير ومن مانحي الفرح لعموم الناس من عبادك أحبهم ويحبونهم.. اللهم أجعل البركة في ذريته وارحمنا حين نلحق به.. آمين.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية