حتى الموت
فجيعة أخرى من فواجع الموت المعلن حلت ببلادنا أثر سقوط الطائرة المروحية، وكان الضحايا ثلة من أبناء السودان (7) من الشهداء تسقط في الموت الرتب والمواقع والألقاب.. والمقامات ويستوي في القبر الوزير والخفير الغني والفقير وأدمعت حادثة سقوط الطائرة آلاف السودانيين.. وعند النكبات والمحن.. تتوحد المشاعر. وتسقط الاختلافات العقائدية والسياسية.. ويهرع الشيوعي لمواساة الإسلامي ويعانق الصوفي السلفي.. ويبكي على الفقد الجميع.. تلك هي الفطرة الإنسانية المعافاة.. ومواريث هذا الشعب الذي ذرف الدموع على “الزبير محمد صالح” ود. “عمر نور الدائم”.. و”محمد إبراهيم نقد”.. وبكى الآلاف أمس عبر وسائل التواصل الاجتماعي رجلاً متفقاً على خلقه، إنه “ميرغني صالح” عبداً فقيراً.. ذهب من الدنيا في أبهة السُلطات ولقى ربه في خشوع وإيمان.. عرفته الشمالية بأخلاق ملائكية وعرفته جبال النوبة مزارعاً كادحاً من أجل لقمة العيش، وعرفته القضارف حاكماً رءوفاً رحيماً.. بسيطاً سمحاً كالنسمة الباردة في عز الصيف.. وثلة من الأخيار اصطفاهم رب العباد لجواره في صباح الأحد الحزين.. وقد توالت على السودان النكبات والفواجع والمواجع.. في الموت لا شماته ولا تشفي إلا من بعض الذين امتلأت قلوبهم أحقاداً دفينة.. ومرارات سقيمة.. وأمراضاً لا شفاء منها.. فبعض من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في قلوبهم غل.. وحقد دفين اتخذوا من حادثة سقوط الطائرة المروحية.. متكأ لفش غبائهم مع النظام الحاكم.. يدعون جهراً أن تعبر الطائرات مقبرة لبقية حكام البلاد.. وذلك سلوكاً لم نعهده في كريم هذا الشعب الذي ظل متوحداً اجتماعياً لم تمزق صفة الخلافات السياسية ولم تزرع حتى السجون والمحاكمات الناجزة دفين الحقد مثلما هو يتمدد الآن في وسائل التواصل الاجتماعي من بعض أدعياء النضال والثوار خلف أجهزة الهواتف الذكية يخربون بيوتاً شادها السودانيون بقويم الخلق.. ونزاهة الاختلاف ولكننا اليوم نشاهد ونقرأ أسود الكلام في الشاشات البيضاء وفاحش القول في (كيبورت) تشع حروفه أحقاد دفينة ورائها نفوس مريضة لا ترى في السودان اليوم إلا سواد يعقبه سواداً.. واليائسين القانطين من فرجاً سيأتي يخربون علاقات الناس ويشيعون فواحش الإساءة حتى في بيوت الأحزان.. يختلف الناس في السياسة والفكر.. وكرة القدم وتبقى أواصر الإنسانية محفوظة بقيم توارثتها الأجيال منذ قديم الزمان.. ولكن اليوم تدق أبواب أهل السودان (فتنة) الأحقاد الدفينة والمرارات التي لا يعرف أسبابها.. مما ينذر بمستقبل مشؤوم إذا لم نتدبر جيداً قول شاعرنا “محمد المهدي المجذوب” ونحن في مسألة الحكم بين نارين جهل الطائفية وعصبية الهاربين من ذكائهم وبين الاثنين تحالف غير مكتوب، فالطائفية كانت أكثر تسامحاً من العقائدية السياسية.. والأذكياء من يرسمون خطى المستقبل بالتسامح لا (التحاقد) الذي يأكل الأكباد كما تأكل النار الحطب، وفي الموت موعظة لمن في قلبه نطفة من إيمان بأن الحياة بحلوها ومُرها.. رحلة قصيرة إلى دار الخلود.. وما يزرعه المرء بحروفه يحصده يوم لا ينفع حزباً ولا تنظيم.. ربي أرحم عبدك الصالح “ميرغني صالح” وزمرته الأخيار شهداء أفضل منا جميعاً.