حديث السبت – يوسف عبد المنان
“أنس” مطلب الجزيرة و”أيلا” في بورتسودان و”حسن برقو” في الجنينة
هل تعديل المادة (57) من دستور السودان التي حددت دورات رئيس الجمهورية بدورتين يفتح سقف حق الترشيح يعني ذلك بقاء الرئيس “عمر البشير” في سُدة الحُكم مدى الحياة كما جاء على لسان بعض منسوبي المعارضة في تزوير صريح لحقائق الواقع، لأن التعديل المقترح من قبل الأحزاب وأعضاء البرلمان (فتح) الباب واسعاً للرئيس الحالي والرئيس الذي يأتي من بعده للترشيح لأكثر من دورة واحدة.. فلماذا يفترض البعض أن التعديل الدستوري المقترح تم (تفصيله) على مقاس “البشير” وحده؟ ولماذا معارضة التعديل بلهجة أقرب (لاستهداف) “البشير” بشخصه لإزاحته من السُلطة رغم أن هناك تياراً عريضاً من الشعب السوداني ومن أحزاب الحوار الوطني (يرى) بغير رؤية المعارضين لمبدأ تعديل الدستور الحالي الذي نص مؤتمر الحوار الوطني على (تبديله) بدستور جديد تتكفل به الجمعية التشريعية المنتظر انتخابها في 2020م؟ وكتلة التغيير في البرلمان التي يقودها النائب “أبو القاسم برطم” عن دائرة دنقلا دفعت ببيان (الأربعاء) الماضي، تحدث فيه عن مجموعة الأحزاب البالغ عددها (33) حزباً التي قدمت مذكرة تعديل المادتين (57) و(178) وقالت مجموعة لتغيير إن حيثيات رفضها تتمثل في منح حق التشريح لمنصب رئيس الجمهورية لأكثر من دورتين متتاليتين يرسخ دكتاتورية الفرد، وإن الأحزاب استندت في تعديلاتها بأن السودان تحيط به المهددات والنزاعات ولا عاصم إلا ببقاء الرئيس.. وطالبت كتلة التغيير بطرح التعديل في مواد الدستور لاستفتاء شعبي وليس بمجلس وطني تحكمه أغلبية ميكانيكية صامتة على حد تعبير البيان الغاضب!! وبدأ جلياً أن الحراك السياسي الذي نشب في قبة البرلمان بين تيارين يختلفان منهجاً ومقداراً حول قانون الانتخابات سيتمدد إلى قضايا أخرى.. وواقع الحال اليوم هناك استقطاب سياسي حاد واحتقان غير مبرر في الساحة السياسية حول قضية تعديل الدستور.
والأحزاب المعارضة لتعديل الدستور بعد أن اتخذ المؤتمر الوطني موقفاً مناهضاً لمبدأ تحديد سقف زمني لدورات رئيس الجمهورية.. كان حرياً بها أن تتوجه إلى الشعب صاحب الحق الأصيل وتجعل من مواقف المؤتمر الوطني زاداً لها في معركتها الانتخابية وتضع بين يدي الشعب برنامجاً طموحاً لإصلاح الدستور والقوانين المرتبطة بالممارسة السياسية مثل قانون الانتخابات وقانون الأحزاب.. والقانون الجنائي وقانون الصحافة وقانون جهاز الأمن.. كل هذه القوانين (قابلة) للتعديل والتغيير إذا ما نجحت المعارضة في تحقيق فوز على المؤتمر الوطني في الانتخابات القادمة.. ومصلحة المعارضة أن لا يقدم المؤتمر الوطني مرشحاً جديداً تتعلق برقبته آمال الشعب ويمنحه تفويضاً جديداً.. بل مصلحة المعارضة أن كانت تقرأ جيداً ما يجري في الساحة السياسية أن يقدم المؤتمر الوطني مرشحاً له تجربة مثل “البشير”، لكن المعارضة أخذت على عاتقها خوض معركة مع الرئيس “البشير” و(استهدافه) والشيء الذي دفع المؤتمر الوطني لاتخاذ مواقف داعمة لترشيح “البشير” ومساندة له في الانتخابات القادمة.. وحصل “البشير” على ثقة الحركة الإسلامية التي تمثل عظم النظام والسند العقائدي لحزب المؤتمر الوطني الذي قرر منذ فترة ليست بالقصيرة، ومن خلال شورى الحزب إعادة ترشيح “البشير” لدورة قادمة وهو قرار أملته ظروف داخلية وواقع خارجي.. خاصة بعد نجاح “البشير” في تجفيف الدم بجنوب السودان ودخوله مسانداً وداعماً بخبرة تحتاجها القارة الأفريقية لتحقيق المصالحة في أفريقيا الوسطى وبيد “البشير” الكثير الذي يقدمه لصالح التسوية في ليبيا بيد أن العرب يستكثرون على السودان أن ينجح فيما فشلوا فيه هم مجتمعون.. وقضية ترشيح “البشير” ما كان ينبغي لها أن تأخذ كل هذا التراشق لو تحلت المعارضة بالعقلانية واستثمرت في أخطاء المؤتمر الوطني واستفادت منها في المعركة الانتخابية القادمة بدلاً من افتعال أزمة ومعركة في غير معترك.. والمعارضة حتى اللحظة عاجزة عن الاتفاق على مرشح ينافس “البشير” في الرئاسة.. وبالتالي كل جهدها وفكرها التمسك بنصوص الدستور الحالي ومحاولة عرقلة إعادة ترشيح “البشير” بدلاً من تقديم بديل يحظى بقبول الشارع السياسي في الانتخابات القادمة.. فأي أزمة تعيشها المعارضة في الواقع الراهن.. وهي غير قادرة على الفعل وتنتظر فقط أن تهبط عليها من السماء معجزة تصلح حالها!!
{ أخبار الولاة مزالق في الطريق
قال د.”محمد المصطفى” نائب رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني إن تجربة الدفع بشخص من خارج الولاية للترشح لمنصب الوالي في الانتخابات القادمة تحتاج إلى دراسة عميقة لتقرر بعدها أجهزة الحزب ومؤسساته ما إذا كان ذلك ممكناً والإجابة على أسئلة هل الواقع سيقبل هذا الأمر وإلى أي مدى يتم التجاوب مع والٍ ليس من أبناء الولاية.. حيث موضوعي جداً من قيادي نافذ في المؤتمر الوطني نظر لواقع التجربة السابقة التي خاضها المؤتمر الوطني لوحده.. وجعل ساحات الحزب وأجهزته سوقاً تتبضع منه قيادات غير مسؤولة.. أحالت الممارسات (شبه الديمقراطية) إلى سوق نخاسة تباع فيه الأصوات وتشترى من أجل المناصب حتى.. نظر الرئيس وقدر من واقع مسؤوليته بحسن إدارة البلاد.. وتم إلغاء اختيارات المؤتمر الوطني وتبعه بقرار بإلغاء الانتخابات التي لم تبك عليها الأحزاب وهي في بياتها الصيفي تنتظر وتترقب ولم يقدم أي حزب حتى لحظة كتابة هذه السطور منهجاً لائحياً في اختيار مرشحي الحزب للدوائر الجغرافية، ومنصب رئيس الجمهورية ومنصب الوالي وآثر الجميع الانتظار ومراقبة المؤتمر الوطني الذي لم (يبتدر) في واقع (الاختيارات) وآثر ممارسة ديمقراطية (نصف كم) لمرشحي الدوائر الخاصة بالمجالس التشريعية تنعقد الكليات في الدوائر المعنية من رئيس الحزب وهو المعتمد.. ونائب رئيس الحزب ورئيس الشورى وعضو البرلمان وممثل الدائرة في الشورى القومية ويتم ترشيح ثلاثة أسماء.. يختار منها المكتب القيادي بالولاية مرشح الحزب في الدائرة الجغرافية المعنية.. وقد أفرزت التجربة سلبيات بعدد الحصى وخرج بعض قيادات الحزب من عباءة وسلطة التنظيم وترشحوا بصفة الاستقلالية.. فاخفق بعضهم ونجح آخرون.. وفي الدوائر الجغرافية للمجلس الوطني أيضاً يختار المكتب القيادي بأهليته لخوض الانتخابات باسمه ويعيد آخرين.. وفي الغالب تترك مثل هذه (الوصاية) شيئاً في النفوس ومرارات واحتقان، والمكتب القيادي المركزي بطبيعة تكوينه ينظر لمن يقع تحت بصره من القيادات التي أدمنت الطواف حول هياكل الحزب.. وقياداته.. وحينما قدم المكتب القيادي في دائرة دنقلا “بلال عثمان” كان خيار قيادات الحزب المحلية “أبو القاسم برطم” الذي أصبح فيما بعد زعيماً للمعارضة وهكذا الحال في دائرة القضارف، ومنح المكتب القيادي بسخاء وكرم الدوائر الجغرافية لحلفائه من السلفيين.. والمنشقين من أحزابهم وبقايا الحركات المسلحة.. وجعل من دوائر ولاية الخرطوم بصفة خاصة منطقة (مباحة) لاسترضاء الساقطين في دوائرهم والمبعدين لإخفاقاتهم عند أهلهم وسلب بذلك حقوق مواطني الخرطوم.. أما في الترشيحات لمنصب الوالي فالمؤتمر الوطني لديه اعتقاد زائف بأن (القوة تقرر الأشياء) وهي مقولة نطق بها قديماً المفكر الشيوعي “تروتسكي”.. ورسخها في مخيلة الإسلاميين الراحل “أحمد سليمان الماحي” ويعتقد البعض أن بريق السُلطة وذهبها.. وصولجانها يدفع المواطنين لمنح أصواتهم لمن يجلس على كرسي السُلطة.. لذلك حينما فكر المؤتمر الوطني في ترشيح (الولاة).. منح الولاة حق الترشيح.. وهؤلاء بسلطتهم ومالهم حصدوا أعلى الأصوات في الشورى والمؤتمر العام، وكان الاستثناء الوحيد في ولاية نهر النيل التي أثبت واليها حينذاك الفريق “الهادي عبد الله” نزاهته وزهده فاختارت قيادات نهر النيل “علي حامد” بديلاً له بينما لم يجد “أيلا” في بورتسودان منافسة.. واعتقل اللواء “أحمد خميس” في الفولة حتى سائق عربة منافسه “سالم الصافي حجير”.. وفي نيالا انقسم المجتمع إلى (كتلتين) أطلقت أحدهما على نفسها اسم (هبت) والثانية (ستفق) وكادت أن تنشب حرب (داحس والغبراء) قبل أن تجف دماء دارفور.. وتشفى من أمراض التمرد داهمتها خلافات المؤتمر الوطني.. وحاز “عثمان كبر” على أعلى الأصوات في الفاشر و”آدم الفكي” في كادقلي و”يوسف الشنبلي” في بحر أبيض وحينما قرر الرئيس إلغاء نتائج الاختيار وعدل الدستور ليعين الرئيس المنتخب الولاة بدلاً من انتخابهم.. لم يلغِ الرئيس كل النتائج بل استفاد منها في التعيينات بعد نقل “أبو القاسم بركة” إلى الفولة قادماً من الجنينة و”علي العوض” من كسلا لدنقلا.. و”محمد حامد البلة” من كوستي إلى الدامر، وذهب “آدم الفكي” من كادقلي لنيالا و”عيسى آدم أبكر” لجبال النوبة.. وحقق بعض الولاة نجاحات مقدرة جداً.. وبزغت نجوماً جديدة في الساحة السياسية وأخفقت أخرى.. وحينما يعود المؤتمر الوطني اليوم مرغماً للانتخابات الحُرة لاختيار الولاة فإنه يجد نفسه أمام تاريخ لا يرغب الكثيرون في اجترار مرارته مثل انقسام الرابع من رمضان الذي من بين المعلن عن أسبابه الخلاف حول انتخاب الولاة.. ويخشى البعض من أن تأتي الديمقراطية (بولاة) يقولون لا للمركز.. ويعصون التوجيهات التي تتنزل عليهم من (فوق).
وفي تجارب سابقة تمرد والي القضارف “كرم الله الشيخ” على قرارات المركز.. ونقل مكتب الدولة إلى بيته وأمر بوقف الصرف المالي على تشكيلات الإنقاذ العسكرية من دفاع شعبي وشرطة شعبية.. مثلما تمرد الشيخ الراحل “إبراهيم يحيى عبد الرحمن” في غرب دارفور وحينما تتذكر الإنقاذ تلك المواقف.. تتردد في القبول بالانتخابات باعتبارها نافذة تهب منها رياحاً لا تشتهيها مراكب الإنقاذ العابرة لبحر متلاطم الأمواج.. ومشكلة طريقة الاختيار هي المأزق الذي يبحث الوطن له عن مخرج صدق أو أي مخرج في مقبل الأيام قبل الانتخابات التي إذا دخلتها القوى المعارضة فالمؤتمر الوطني لن (يجازف) ويمشي على حافة الهاوية ويختار مرشحين لمنصب الوالي من خارج الولاية.. أما إذا قررت القوى السياسية ذات الثقل السياسي والكسب الجماهيري مثل حزب الأمة القومي والمؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي والحركة الشعبية في المنطقتين فالمؤتمر الوطني سيجد نفسه مرغماً على ترشيح رموزه و”كباتنه) في ولاياتهم حتى يضمن فوزهم.. ولكن في حال المقاطعة والرهان على إسقاط النظام والتذرع بتزوير الانتخابات وتركت الساحة للوطني وحده لا منافس له إلا حزب الأمة الوطني والحركة الشعبية جناح السلام.. والاتحاد الديمقراطي الأصل وغير الأصل فليطمئن د.”فيصل” بفوز “ياسر يوسف” في دنقلا وفوز “أبو سروال” في الجنينه وفوز “عجب الفيا” في النهود وود بنده.. ومع شعور القيادات بأن رياح الديمقراطية قادمة.. حشد “حسن برقو” القيادي في المؤتمر الوطني الآلاف من أبناء غرب دارفور بقاعة الصداقة ودفع أكثر من (2) مليار جنيه من حُر ماله لدعم نفير الولاية الذي حشدت له الحكومة رجال المال والأعمال في قاعة الصداقة في وقت تجمعت فيه قيادات الجزيرة من المجاهدين والتنظيميين الجالسين طويلاً في رصيف الانتظار و(المتململين) من دكتاتورية “أيلا” وخشونة في تأسيس (قروبات) على الشبكة العنكبوتية دعماً وسنداً لترشيح ابن الجزيرة “أنس عمر” الذي حقق نجاحات كبيرة في الضعين بشرق دارفور وثم تعمير ساحات التواصل بالداعية الكثيفة لصالح “أنس عمر” المطلوب وسط أهله لخلافة “أيلا” بشهادة الرئيس نفسه.. وفي بورتسودان انعقدت اجتماعات في العلن والسر دعماً وسنداً لعودة “أيلا” إلى بورتسودان.. مسنوداً بقاعدة عريضة ممن يسمون بالتيار (الأيلولي).. وفي شمال دارفور نشأت (قروبات) باسم كلنا “جماع”.. وتعتبر الحملات المبكرة في الترشيح والإسناد الشعبي ظاهرة جديرة بالتأمل في واقعنا الراهن قبل أن يضرب جرس الانتخابات في مقبل الأيام.