زوار المرضى.. إزعاج وإحباط وثرثرة وتكاليف باهظة!!
بالرغم من أن زيارة المريض ذات أثر نفسي بالغ ومدلول اجتماعي عميق ينم عن مدى التعاطف والمواساة، إلا أن هذه القاعدة، وفي كثير من الأحيان تنقلب رأساً على عقب، ويصبح الزائر مصدر قلق وإزعاج للمريض، خاصة إذا كان هذا المريض ممنوعاً من الزيارة بأمر الطبيب، لكن جل السودانيين يتمردون على هذا الأمر، فيصرون على رؤيته متحججين بواهيات الحجج، مثل أنهم قطعوا الفيافي وعبروا الأنهار والكباري من أجل (ممارضة) عزيزهم طريح المشفى، ما يصعب من مهمة الطاقم الطبي، فيفقد السيطرة والحفاظ على الحالة مستقرة. هذا إلى جانب أن البعض ينصب نفسه طبيباً مُختصاً بوصفه لعقاقير ووصفات عشبية وأخرى صيدلانية من (بنات أفكاره)، فضلاً عن التنظير المشفوع بأدلة قاطعة عن حيثيات ومرافعات يلقيها الزائر في وجه المريض عن كيفية التعامل مع هذا المرض، والتوجيهات التي يجب عليه إتباعها رغم منافاتها ومجافاتها لتلك التي أوصى بها الطبيب.
هذا كله (كوم)، و(الهجمة والخلعة) التي يبديها عند معاودته للمريض والتي يلقيها دفعة واحدة دون (اتكيت)، أو محاذير عندما يقوم برفع حواجبه وصوته أو يخفضهما مدعياً إبداء الأسى بقوله (كر عليَّ مالك كملت من لحم الدنيا) أو (ما انتهيت عدييل كده والله ما عرفتك)، كوم آخر، ما يضاعف من أزمته ويزيده مرضاً على مرضه.
التمريض (الأهلي)
مشكلة التمريض من قبل الأهل مشوبة بكثير من العادات الخاطئة التي عفا عليها الزمن، فما زال رهط الأسر والقبائل يحط برحاله مكان استشفاء المريض سواء أكان مشفى أو منزلاً، فما أن يلزم أحدهم الفراش الأبيض حتى يشهد (مرقده) تدافعاً غير مسبوق من قبل الزوار بغرض التواصل الاجتماعي الذي درج عليه السودانيون، وأصبح سمة غالبة في طبعهم غض النظر إن كانت حسنه أو سيئة، بيد أن تلك الزيارات تترتب عليها أعباء عدة، أهمها إزعاج المريض وأهله، إضافة لما يترتب على ذلك من (ضيافة) يبذلون فيها كل ما كانوا يدخرونه ما يدخلهم في كارثة (اقتصادية) ربما ينتظرون سنوات أخرى للخروج من آثارها.
قوى أجنبية في زيارة مرضية
وما شهده منزل السيد (ع )، خير مثال على ذلك، إذ أنه ما أن سمع (أهل الحي) بأن قريبه الذي قدم من إحدى الولايات قد أُجريت له جراحة ناجحة، وخرج من المستشفى، حتى (تهافت) الجميع إلى منزله، ما أدخل الأسرة في أزمة مالية كبيرة، هذا إلى جانب أن أسرة (قريبهم) المريض أغلقت منزلها، ويمموا جميعهم مرافقين لمريضهم لفترة امتدت قرابة الأسبوعين، ما أنهك الأسرة المستضيفة وأدخلها في حرج بالغ، وأربك استقرارها حتى أن أبناء السيد “ع” أبدوا علانية تذمرهم وضجرهم مما يحدث من سيطرة كاملة الأركان لقوى خارجية على منزلهم ما افتقدهم الاستقرار المنزلي، والشعور بالأمان، وأطاح بنظامهم الدراسي، فالمنزل أضحى كخلية نحل تعج بالزوار من داخل وخارج الولاية طوال اليوم.
أطباء كبار.. ولكن!!
من جهة أخرى، تعج هذه الزيارات المسماة بالـ(ممارضة) بكثير من (المنظراتية)، وهؤلاء (حدث عنهم ولا حرج). فبحسب السيدة “نورا عباس” حكت عن والدتها، التي ما أن تعرضت لأزمة صحية (خفيفة)، وأجريت الفحوصات اللازمة، التي لم تسفر عن نتيجة قاطعة تحدد نوع العلة، حتى انفتح باب التنظير على مصراعيه من الجميع، فانبروا دون خشية ووجل منصبين أنفسهم اختصاصيين لكافة التخصصات، وأخضعوا (الحاجة) لفحوصات دقيقة، رغم أن جلهم ربات منازل وتجار وموظفون عاديون، لا يمتلكون ما يؤهلهم لذلك، فتارة يصفون هذا المرض (سكري وضغط)، وأخرى يشخصونه بأنه (مبادئ غضروف)، وثالث يثبت عمامته على رأسه ويقول بثقة كبيرة، بأن هذا المرض ليس سوى (صداع نصفي وانسداد ليمفاوي) وخزعبلات أخرى لا مساحة لها هنا.
“سعدية” الصيدلانية
عُرِف عن الحاجة “سعدية” أنها دائماً تتلبس وظيفة (صيدلانية)، فما أن يشتكي أحدهم من علة ما، حتى تصف له خلطة مجربة ( وما بتقع الواطة) على حد تعبيرها، ولا يفوتها في ذلك أن تردد عباراتها الأثيرة ( جرعة صباح، وجرعة بالليل، أو عند اللزوم)، فضلاً عن أنها دائماً ما تشاطر المريض مرضه، فكل ما شكا أحدهم أنه يشعر بألم في جزء محدد من جسده حتى تتلقف الأمر، وتستلم المرض بأنها الأخرى تشتكي منه. والطريف في أمر الحاجة “سعدية” أنها وعند مقابلتها لطبيب، ما أن يسألها مما تشتكي، ترد عليه بمتاهة لا يستطيع تحديد نهايتها واقتفائها، فتقول مثلاً ( في حاجات كده بتمشي من قعر ضهري ده، وتطلع تطلع لحدي ما تصل الكتف، وتلف تمسك في رقبتي، لمن خشمي يتلوى معاها)، قطعاً الطبيب لا يستطيع تشخيص ذلك، فيلجأ للطب النفسي ويعمل أدواته في جسدها، ثم يقول لها بأن الأمر بسيط، وعليها تناول الدواء الذي يحرره لها في الروشتة وغالباً ما يكون (بندول).