قال “الأصمعي” : كنت في مجلس أمير المؤمنين “هارون الرشيد” وأن قوماً أرادوا أن يتخلصوا من قاضٍ مُنصِف اسمه “عافية”، فدخلوا مجلس “هارون الرشيد” يتظلمون منه ومن أحكامه، ووصفوه بشدة التسامح في قضائه بين المتخاصمين.
فأمر “هارون الرشيد” باستدعاء القاضي ، فلما حضر مجلسه سأله عن سيرته في القضاء، وكيف يحكم بين الناس ، وبينما هو يجيب عن أسئلته إذ عطس “هارون الرشيد”، فشَمَّتَه كلُّ من كان في المجلس إلا القاضي، فقال له “هارون”: ما لك لم تُشَمَّتْني كما فعل القوم؟!
قال القاضي: لَمْ أُشَمِّتْك لأنك لم تحمد الله، وقد عَطَسَ رجلان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فشَمَّتَ أحَدَهُما ولم يُشَمِّتِ الآخر، فقال الرجلُ الذي لم يُشَمَّتْ: يا رسول الله، شَمَّتَّ هذا ولم تُشَمِّتني!. قال: «إن هذا حَمِدَ اللهَ، ولم تَحْمَدِ اللهَ»
رواه البخاري .
فقال هارون للقاضي : ارجع إلى عملك وقضائك، ودُمْ علىٰ ما كنتَ عليه، فمَنْ لم يُسامِحْ في عطسة لن يُسامِح في غيرها…!
فانصرف القاضي منصوراً، وعَنَّفَ “هارون” من جاءوا يوقعون به ..
قصة بلا شك تدعو للاعتبار بها من عدة نواحي ولكن ما أراه فيها أكثر أثراً للمتأمل فيها ليست خسة بعضهم في الإيقاع بغرمائهم ولكن نصرة من بيده الأمر لمن يرفض المجاملة والتساهل في حق الدولة والشعب حتى ولو في عطسة واحدة وقد فهمها هنا “هارون الرشيد” بذكائه وفطنته وتعامل معها برجولته وشجاعته وعقيدته السليمة .. يا ليت مسؤولينا وولاة الأمر عندنا يتعاملون على هذا النهج، فلا يتسامحون في حق الوطن والشعب ولا في عطسة واحدة ..