أخبار

أزمة عامة ..!!

محمد إبراهيم الحاج

(أدقك يا قلبي)، (سبتك بمزاجي)، (الـكنـت فيـهو بــهيــــم وليـو روحــي مأسوره، بعـد انتــظـرتـو ســنـيـن ركــبـنـي ماسوووورة)، (دق الباب وجانا)، (الفي ريدو فرط دقس)، ما سبق ليست مقتطفات من حوار لأشخاص يقبعون في قاع المدينة.. بل هي مسميات لأغنيات يتم تداولها جهراً لمغنين رددوها إلى أن صاروا فيما يعرف الفن في الإعلام السوداني بنجوم الأغنية الشبابية، تلك النماذج الغنائية الشائهة تمطت وتمددت في المشهد الغنائي رغم فجاجة كلماتها وبدائية ألحانها وحشرجة أصوات من يرددونها.. وإجمالاً ليس ثمّة ما تحمله هذه (الأشياء) المسمية مجازاً بالأغنيات في أن يجعلها ذات حظوة وقبول عريض في المشهد الغنائي السوداني .. ولكنها رغم ذلك موجودة .. ومنتشرة بكثافة بائنة .. ويتم تداولها على نطاق واسع في كثير من ضواحي العاصمة والولايات كما أنها – أي تلك الأغنيات – تتكفل بملء جيوب مردديها من مطربين .. وذلك فقط لأنها – شئنا أم أبينا – باتت مطلوبة وبشدة وتنقلهم إلى عوالم الثراء السريع .. والشهرة المجانية التي هي أقصى ما يطلبونه.
*المجتمع ساعد على تكاثر تلك الفطريات الغنائية السامة وساند على انتشارها ومهّد لها الأجواء لتتناسل وتتمدد بل إنه حفّز مردديها (بعدادات) مهولة بقبوله واحتفائه بها .. العلة إذن تكمُن في المجتمع .. وفي العقل الجمعي الذي بات يفكر ويستمع بأرجله بدلاً عن دماغه.
* لا أحسب أن تلك النماذج الغنائية أو مردديها كانوا سيجدون ذات الحظوة الكبيرة التي يجدونها الآن، حال كان ظهورهم خلال وقت سابق .. فقد كان مستحيلاً على تلك النماذج الغنائية التي ذكرناها سابقاً أن ترى النور والساحة تعج بها أغنيات “عثمان حسين وردي وإبراهيم عوض وأبو داؤود” .. هؤلاء الذين كانوا جداراً صلداً ضد تسلل كلمات خارجة أو أعمال غنائية مستسهلة لأنهم كانوا يرفعون من سقف الذائقة الجماعية بأغنيات مثل (شجن) و(الود) و(الصبر) و(بعد ايه) وبعد الصبر) وغيرها وكان التناطح وقتها للكبار حول الساحة الفنية .. وإذا تصارعت الأفيال على الساحة فالويل للحشائش التي تقبر ويتم وأدها في مهدها حتى قبل أن ترى نور الشمس.
*ولكن ما الذي حدث بعد ذلك .. هل ثمّة تغييرات جذرية حدثت على مستوى المكوّن الاجتماعي والفني جعل من تلك البثور الغنائية هي السائدة والمسيطرة على المشهد برمّته ..؟ وهل ثمّة تغييرات اقتصادية أو سياسية أفضت إلى حالة (النكوص) للذوق الجماعي وأوصلها إلى ما هي فيه الآن بحسبان أن المتغيرات السياسية والاقتصادية تعتبر ذات تأثير مباشر على الحالة النفسية للمجتمع.
*التساؤل الأخير هو مربط الفرس.. وفيه تقبع (المعضلة) وبين ثناياها الحل.. فالمجتمع الآن صار يعاني من ضغوط هائلة.. ضغوط على مستوى المعيشة.. وتأخر سن الزواج.. بالإضافة إلى حزمة من المنغصات تجعل من أغنيات السفح تلك هي المتنفس الأول والسهل الذي يقودهم إلى حالة من (الهذيان الهستيري) الذي يكون بمثابة (مخدر) وقتي ينسيهم لوقت قصير معاناتهم .. تلك هي المعضلة .. ويسند ما سقته لحالات مشابهة لأغنيات ذاعت في أكثر من بلد قريب .. فأغنية (السح الدح امبو) “لأحمد عدوية” كانت إبان نكسة 67 والعرب وقتها خرجوا من حرب خاسرة مع الإسرائيليين ولم يجدوا من ينفثوا فيه احتقانهم ذلك سوى أغنيات (عدوية) التي كانت بمثابة (الكبسولة) المهدئة والمخدرة في آن.. وذات الأمر انطبق على العراق بعد أن تحرر من القبضة الحديدية “لصدام حسين”، فظهرت أغنيات مثل (البرتقالة) وغيرها مما يمكن تسميتها بأغنيات السفح في بلاد الرافدين.
*إذن الحالة السودانية لم تكُن معزولة عن محيطها، فهي الأخرى تأثرت وبشدّة بمحيطها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ..وماسبق يعلى سقف المطالبات من أن تكون فنية إلى أخرى اجتماعية حتى تبلغ مرحلة أن تكون ضرورات الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي يقبع بين ثناياها الحل الناجع.
مسامرة أخيرة
بالذات الزيك يا أب ذر
بالذات الزيك لو جاء
راكب دغريتو العرجاء
دايماً غلباوي وغالاط
لخباط للعيشة الخمجاء
بالذات الزيك لو جاء
في زمن الزيف المنشر
والتشريعات العوجاء
يا إنباع يا راجي الراجا
حميد

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية