حوارات

القيادي الجنوبي البارز دكتور “عبد الله دينق نيال” في حوار مع (المجهر)

{لسنا ضد القبلية باعتبارها وحدة اجتماعية، ولكن ننبذ القبلية المتعصبة والمستخدمة لأغراض سياسية

{الوضع الطبيعي للعلاقة بين دولتي السودان أن تكون في الدرجة الممتازة، فالسودان الأقرب للجنوب لأسباب تاريخية وجغرافية واجتماعية واقتصادية وثقافية.
{المخاوف مشروعة فالنفوس لا زالت تحمل الكثير ومن الجائز أن تحدث خروقات هنا وهناك
{لا يستطيع كثير من المواطنين من الحصول على وجبة واحدة في اليوم بسبب الغلاء
حوار: نجاة صالح شرف الدين
دكتور “عبد الله دينق نيال” سياسي جنوبي شغل العديد من المناصب قبل انفصال دولة جنوب السودان، فكان والياً لولاية النيل الأبيض ووزيراً للإرشاد والتوجيه ووزيراً للسياحة وإعادة التعمير ورئيساً للجنة السلام بالمجلس الوطني ورائداً للمجلس الوطني، وكان أيضاً من القيادات البارزة في المؤتمر الشعبي، ثم وزيراً للبيئة في دولة جنوب السودان، ويعمل حالياً أستاذاً بجامعة جوبا.
(المجهر) أجرت معه حواراً تناولت من خلاله العديد من القضايا فإلى محاور هذا اللقاء:
{ اتفاق السلام الذي كان قد تم التوقيع عليه بين حكومة “سلفاكير” والمعارضة هل تتوقع أن يتم إنزال هذا الاتفاق على أرض الواقع بالنحو المطلوب؟
– إن السلام مهما قيل فيه هو أفضل من الخيار الآخر ألا وهو الحرب، واعتقد أن الأطراف الموقعة على اتفاقية السلام أكثر جدية وأكثر إرادة سياسية للتطبيق بنود الاتفاقية على الأرض، وأتمنى أن يجدوا العون والمساعدة على وجه الخصوص والإيقاد والترويكا والعالم أجمع، لأن استقرار الجنوب يعني الاستقرار في الإقليم والعالم لضمان السلم والأمن العالمين.
{ هنالك مخاوف وهواجس من قبل البعض بحدوث انتكاسة وتراجع للرئيس “سلفاكير” تجاه اتفاقية السلام، فكيف ترون ذلك؟
– هذه مخاوف مشروعة في ظل حرب ضروس ولعينة استمرت خمس سنوات وأحدثت شروخ اجتماعية عميقة وكراهية شحناء وبغضاء متبادلة بين الأطراف التي كانت متقاتلة، فالنفوس مازالت تحمل الكثير ضد الآخرين ولذلك ومن الجائز أن يحدث بعض الإخفاقات هنا وهناك.
{ البعض يتحدث أن جوهر الاتفاق والذي يحوي ضمن بنودها قسمة الثروة والسلطة لا يتناسب مع القضايا الحقيقية لقضايا الجنوب، بدليل مضاعفة عودة الولايات والتوسع في الهيكل التنفيذي وزيادة عضوية الهيئة التشريعية كيف تفسرون ذلك؟
– هذه في الفترة الانتقالية معذرة لأنها مؤقتة فبعد الانتخابات فإن الأمور ستعود إلى مجاريها الطبيعية، حيث ستكون المؤسسات قد أعيدت هيكلتها وتنظيمها وعلى رأسها القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى والخدمة المدنية والقضاء المستقل، أما فيما يتعلق بالولايات فهي قضية إدارية يمكن حلها عبر مجلس الوزراء.. والمجلس التشريعي والأحزاب والمجتمع المدني وإخضاعها للحوار الوطني الذي يجري الآن في الجنوب الذي يقمع كل فئات المجتمع المختلفة أحزاب ومجتمع مدني إلى آخره.
{ كيف تنظرون لمستقبل الجنوب في ظل التنازع والصراع القبلي والدافع على السلطة وسطوة القبلية؟
– ننبذ القبلية المتعصبة والمستخدمة لأغراض سياسية ولكننا لسنا ضد القبلية باعتبارها وحدة اجتماعية مقدرة.. ونرجو من الكل أن يتأنى من ممارسة القبلية والمحسوبية السياسية وفي الخدمة المدنية.
{ هل اختيار “عبد الله دينق نيال” المنفي نهائياً أم الاختيار لعدم العودة للجنوب؟
– لا أبداً أنا لست في منفى بل في بلدي الأم وسأعود إلى بلدي وأن وجودي في السودان مؤقت لأسباب عندما تزول هذه الأسباب سأعود للجنوب لأنني جنوب سوداني (مواطناً جنوبي من الدرجة الأولى أما أوباً).
{ البعض يتحدث عن احتكار الدينكا للسُلطة وإلغاء دور الآخرين الأمر الذي يعتبر أحد الأسباب الحقيقية لحدوث المشاكل والصراع المسلح كيف ترون ذلك؟
– نعم: الكثرة تجلب الاحتكار سوء سلطة أو مال أو وظائف عامة، لكننا لا نوافق على إقصاء الآخرين الجنوب به (63) قبيلة سوى الدينكا ولذلك فلا بد من مشاركة الجميع لأن الجنوب ملك للجميع لهذه المجموعات البشرية ومن حقهم المشاركة في إدارة وطنهم كل حسب حجمه ومؤهلاته.
{ إلى أي مدى أثرت العقوبات الأمريكية على دولة الجنوب من حيث التنمية وإعادة البناء؟
– إن أي عقوبات تؤثر على الشعب والمواطنين مرفوضة لأن العقوبات لا تقع على الحكومة أو الأفراد الحاكمين، وإنما تقع على كل الشعب المغلوب على أمره ولذلك نرفض العقوبات الجماعية مهما كانت أسبابها.
{ هل تستطيع دولة جنوب السودان من الاستفادة من مواردها وعلى رأسها البترول والثروات الأخرى التي يزخر بها الجنوب في ظل هذا الجو المشحون؟
– نتمنى أن تستثمر الحكومة الجنوبية الموارد الضخمة المتوفرة في الجنوب من بترول ومعادن وثروة حيوانية وأراضي صالحة للزراعة لمصلحة الشعب وازدهاره.
{ وإذا تحدثنا عن التشكيل السياسي في دولة الجنوب.. هل هنالك أحزاب حقيقية تستطيع أن تقوم بدورها في تعبئة الشارع وتنوير المواطنين سواء أن كان في المجال السياسي أو المجالات الأخرى؟
– ماذا تعين في الأحزاب الحقيقة لأن أي حزب مسجل ومعترف به من قبل الحكومة هو حزب حقيقي بعد ذلك أن الظروف المحيطة بالبلاد من حرب ولجوء ونزوح سبب عدم الاستقرار فهذه الظروف قد عطلت العمل السياسي كثيراً حتى أن الحزب الحاكم الحركة الشعبية لا يمارس العمل السياسي المعروف لأن فترة الحرب كان تعتبر ظروفا أمنية بالغة التعقيد لا تسمح بالتجمعات والاجتماعات العامة بحسب تقدير الأجهزة الأمنية العاملة في الجنوب مما كان سبباً أساسياً لعدم وجود لعمل سياسي واضح وملموس حتى الفترة السابقة.
وظل السلام الذي سيأتي عبر الاتفاقية التي وضعت بين الأطراف يمكن أن يؤدي إلى العمل السياسي المنتظم لأن الأسباب الأمنية ستنتفي.
{ ماذا استفاد الجنوب من علاقات حسن الجوار مع دول الإقليم وتحديداً مع دولة السودان مقارنة بدلة كينيا ويوغندا وغيرها من دول المنطقة؟
– أوضح أن السودان يعتبر الأقرب لدولة جنوب السودان لأسباب تاريخية وجغرافية واجتماعية واقتصادية وثقافية، والدليل على ذلك أن السودان قد استطاع في وقت وجيز أن يجمع الأعراق الجنوبية المقاتلة في الخرطوم ويصل بهم إلى اتفاقية السلام، التي استعصى على دول الجوار والإيقاد في السنوات الماضية (سنوات الحرب).
{ استشرى الفساد بصورة كبيرة وخطيرة في دولة الجنوب والتي طالت العديد من المواقع في اعتقادكم ما هي أنجع الطرق لمحاربة ظاهرة الفساد؟
– أن قضية الفساد معترف بها من كل الأطراف حكومة ومعارضة ولذلك لا بد من العمل بجد لاستئصال الفساد الذي بدد الأموال الطائلة والتي كانت يمكن أن تذهب للخدمات (التعليم، الصحة، والتنمية المستدامة) حيث إن الجنوب يفتقر إلى الطرق والمياه الصالحة للشرب والكهرباء والمستشفيات المؤهلة لعلاج الناس.
{ مشكلة اللجوء مازالت قائمة وهنالك أيضاً إشكالات النزوح من ولاية لأي كيف ترى ذلك؟
– نوضح هنا أنه من بنود الاتفاقية عودة اللاجئين والنازحين إلا أن هذه العودة مكلفة جداً من الناحية المالية ولا تستطيع حكومة الجنوب لوحدها أن تحل هذه المشكلة، وذلك لا بد من عودة دول الإقليم والجوار والإيقاد ومؤسسات الأمم المتحدة العاملة في هذا المجال، وحقيقة أنها مشكلة كبيرة لأن الكتلة البشرية اللاجئة والنازحة لا تقل عن خمسة ملايين حسب تقارير المنظمات الإقليمية والأممية المختصة.
{ المنظمات العالمية تقول إن هنالك شبه مجاعة في دولة جنوب السودان.. فكيف يستقيم هذا الوضع وخاصة أن الجنوب يزخر بمختلف الموارد؟ كيف تحللون ذلك؟
– إن الحرب قد منعت الزراعة التقليدية وغير التقليدية بصورة واسعة، ولذلك فإن حديث بعض المنظمات العاملة في الجنوب عن المجاعة يمكن تصديقها وليست بعيدة عن الواقع لأن الاقتصاد تدهور بسبب الحرب والغلاء أصبح فاحشاً ولا يستطيع كثير من المواطنين الحصول على وجبة واحدة في اليوم بسبب الغلاء وهذه نوع من المجاعة لعدم الحصول على طعام كافٍ في اليوم وهذا نوع من المجاعة (لأن المجاعة هو عدم الحصول على الغذاء الأساسي).
{ كيف تقيمون مستقبل الجنوب في ظل العديد من التحديات التي يواجهها على سبيل المثال الصراعات القبلية والفساد والمحسوبية؟ وهل الجنوب قادر للوصول للنهضة والتقدم؟
– مستقبل الجنوب يتوقف على حسب الإدارة والبعد عن القبلية والفساد والمحسوبية ويتوقف كذلك على بناء خدمة مدنية حقيقية مؤهلة، لأن الخدمة المدنية هي العمود الفقري لإدارة الدولة الحديثة، كذلك إن النهضة والتقدم في الخدمة يتوقف على بناء مؤسسات مستقلة ولكنها منشقة ومتعاونة مثل الجهاز التنفيذي والجهات التشريعية.
والسلطة القضائية المستقلة لتوفير العدالة مع أركان العدالة الأخرى كالنيابة العامة والشرطة المهنية المحترمة والمحاماة كل هذه أركان لتحقيق العدالة فإذن لا بد من الفصل بين هذه السلطات.
{ الفترة الانتقالية بموجب اتفاقية السلام الموقعة والتي ستنتهي بحلول 2020م، فما هو المطلوب بعد هذه الفترة الانتقالية؟
– حسب الاتفاقية من المفترض أن تكون المؤسسات المختلفة التي تدير الدولة قد تم هيكلتها بما فيها مفوضية الانتخابات المستقلة التي عبرها مستقبل الجنوبيين إلى ممارسة حقهم الانتقالي الحر والمتوقع في قبل عام 2020م، وهذه الانتخابات من المفترض أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وعادلة حتى يؤسس الناس للتبادل السلمي للسلطة حتى لا يدخلوا مرة أخرى في الصراع الدموي على السلطة.
{ إلى أي مدى تستفيد دولة الجنوب من انضمامها لمجتمع دول شرق أفريقيا؟
– لا شك أن انضمام جنوب السودان إلى مجتمع دول شرق أفريقيا (تنزايا، رواندا، نيروبي، يوغندا، كينيا، وجنوب) سيفيد دولة الجنوب فيما يتعلق بالتجارة والاقتصاد عامة والتعليم والزراعة والمواصلات لأن هذه الدول مرتبطة ببعضها البعض بالطرق المسفلتة المؤهلة ما عدا جنوب السودان؟ لذلك ستصلها هذه الطرق والسكة حديد في المستقبل مما يساعدها في الاندماج في هذا المجتمع اقتصادياً وتجارياً وثقافياً وتعليمياً وفي مجال الأمن الغذائي لأن هذه الدول لم تسمع بمجاعات فيها من قبل لأن المجتمع يهتم بمجال الأمن الغذائي وأن واحدة من مطلوبات للانضمام لهذا التجمع الشرق أفريقي أن تعتني الدولة بالأمن الغذائي.
وقد شاركت وزير البيئة ضمن عشرة وزراء جنوبيين برئاسة وزير مالية الجنوب في ذلك الوقت وكان ذلك في العام 2013م، في (أروشا) بتنزانيا في مفاوضات انضمام.
{ كيف تقيم علاقات السودان ودولة جنوب السودان وكذلك مسيرة هذه العلاقات التي تربط البلدين مستقبلاً؟
– إن الوضع الطبيعي في العلاقات السودانية الجنوبية أن تكون في درجة الممتاز ولكن ظروف الحرب التي كانت أعاقت العلاقات أن تكون هذه الدرجة الممتازة لتبادل الاتهامات بين الحكومتين بسبب التمرد في الدولتين بأن الأخرى تساعد التمرد في الجانب الآخر.
وأضاف د.”نيال” أنه بعد السلام في الجنوب ونتمنى أن يحل السلام في السودان بحل مشكلة دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق حتى تتمكن الدولتان من تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بينهما وهي لا تقل عن تسع اتفاقيات وعلى رأسها اتفاقية الحريات الأربعة (حرية التنقل، حرية التملك، حرية الإقامة، وحرية العمل) وهذه الحريات الأربع بمثابة الوحدة الوطنية الأربعاء.
وأنه في تنفيذ هذه الاتفاقيات الموقعة خيراً كثيراً اقتصادياً وتجارياً وتعليمياً وثقافياً لشعب واحد في بلدين.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية