الأمين السياسي للحزب الوحدوي الناصري "ساطع الحاج" لـ (المجهر): لم يفشل الإسلاميون في الحكم .. بل فشلت (الإنقاذ)!!
نفى الأمين السياسي للحزب الوحدوي الناصري وعضو الهيئة العامة لتحالف القوى الوطنية المعارض، والأمين العام للهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات، نفى أية علاقة للمعارضة بالمحاولة الانقلابية الأخيرة، ونفى الاتهامات التي وجهها د.”نافع علي نافع” بضلوعهم فيها، وقال إنها تصفية حسابات بين أركان الحكم، مشدّداً على أن وسائلهم للتغيير هي وسائل سلمية، واصفاً تجربة حكم الإنقاذ في السودان بالفاشلة، إلا أنه عاد وقال: (فشلت الإنقاذ ولم يفشل الإسلاميون)، وشدّد “ساطع الحاج” في حواره مع (المجهر) على تناول العديد من القضايا، منها أن اتفاقية التعاون المشترك بين الشمال والجنوب لن تحقق شيئاً، لأن الحكومة لا تملك الإرادة السياسية.. فإلى مضابط الحوار..
{ زار الأمين العام للحركة الشعبية الخرطوم في محاولة لحل بعض القضايا العالقة.. كيف ينظر حزبكم لاتفاق التعاون المشترك بين دولتي الشمال والجنوب؟
– أي اتفاق يراد تقييمه يتم وفقاً لأسس ومعايير، وهي إلى أي مدى يمكن أن يحقق الاتفاق مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية للشعب، وإلى أي مدى يستطيع إيقاف الحرب وإزالة الاحتقان الحدودي والاجتماعي وتخفيف حدة التوتر بين دولتي الشمال والجنوب.. في ظل هذه المعايير يكون موقفنا سالباً أو إيجابياً، داعماً أو مناهضاً لاتفاق التعاون المشترك بين الدولتين، وبالتالي فإن هذا الاتفاق كان (ديكورياً) أكثر منه اتفاقاً عميقاً يعنى بالمصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو أيضاً اتفاق للتحايل والخروج عن مقتضيات القرار (2046) الصادر عن مجلس الأمن، وخوفاً من تداعيات الوقوع في البند السابع، وهذا ما دفع بحكومة المؤتمر الوطني أن تحاول إقناع الرأي العام بأنها فعلت فعلاً إيجابياً، ولكنك ستجد كل القضايا الأساسية الخاصة بالترتيبات الأمنية وبأبيي، والرعي والمسائل الاقتصادية والحدود، لم يتم التوصل إلى حل بصددها وتم ترحيلها، وبذا فإن هذا الاتفاق لا يساوي الحبر الذي كتب به، كما أن حكومة المؤتمر الوطني لا تملك إرادة سياسية حقيقية.
{ مقاطعاً: لماذا لا تمتلك إرادة سياسية حقيقية؟
– لإنجاح هذا الاتفاق تحتاج حكومة المؤتمر الوطني لإرادة سياسية، وهي لا تملكها في ظل الوضع الاقتصادي الخانق، والوضع السياسي المتفجر في دارفور وكردفان وفي منطقة النيل الأزرق، والأوضاع الاجتماعية والنزوح الهائل في كثير من مناطق السودان وضعف البنية الاقتصادية والتحتية في دولة مثل السودان، فإن هذا الاتفاق لن يحقق شيئاً ولن يصمد.
{ أنت تتحدث وكأن البلاد في طريقها إلى الانهيار؟
– بلا شك فإن الأوضاع ليست في طريقها إلى الانهيار، بل هي قد انهارت بالفعل في كل مناحي الحياة، اقتصاد وصحة وتعليم.. مستوى دخل الفرد انخفض إلى أقل درجة، وسعر الصرف مقابل العملات الأجنبية قفز إلى نسب خيالية.. لقد فشلت حكومة الإنقاذ فشلاً ذريعاً في إدارة شأن البلاد، وضاعفت من المشاكل والضائقة الاقتصادية، ووجود الإنقاذ حالياً هو جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل.. فشلت الإنقاذ ولا أقول (الإسلاميين)!!
{ كيف ذلك؟
– لا أجرؤ على أن أنسب (الإنقاذيين) إلى (الإسلاميين)، لأن ما مارسوه لا يمكن أن يكون سلوكاً إسلامياً، هؤلاء رجال اشتهى أكثرهم السلطة والمال، حاولوا رفع شعارات الإسلام وهم بعيدون عنها، وصلوا إلى الحكم عبر انقلاب عسكري ضد شرعية الحكم القائم وقتها، وشرعاً لا يجوز الاستيلاء على السلطة وإقصاء سلطة منتخبة بالقوة يرأسها مسلمون.. ليس من الإسلام تشريد الآلاف من العاملين في الخدمة المدنية والقوات النظامية دون النظر لتأثير ذلك على أسر هؤلاء وأطفالهم وبنية الدولة. سياسة التمكين على حساب الكفاءة هذا ليس من الإسلام.. الإسلام لا يقبل بتشريد الآلاف وتجويع العشرات من أبناء السودان، ونهب البلد.. لقد قسموه وحكموا بإرادة مطلقة وضد الشرائع السماوية.. لقد فشلوا في إدارة التنوع، وهم مستمرون الآن بالقوة الجبرية، وإسقاط النظام أصبح ضرورة حتمية الآن.
{ قلت إن الإنقاذ فشلت ولم يفشل الإسلاميون.. هذا أمر غير واضح بالنسبة لي على الأقل؟
– نحن هم الإسلاميون.. الإسلاميون لا يمكن أن يكونوا طغاة، وبغاة وعدوانيين وانتقاميين، نحن الإسلاميون، وهؤلاء ليس لهم علاقة بالإسلام، لقد فشلوا حتى في حماية الدولة.. حكومة الإنقاذ هي أفشل حكومة مرت على السودان منذ العام 1821م.
{ ما هي حيثياتك على ما تقول؟
– هذه أكثر حكومة (كسرت) ما وجدته من بنية تحتية، وعندما وصلت إلى السلطة كان السودان ينتج (86) مليون ياردة من الأقمشة، الآن ينتج (15) مليون ياردة.. توقفت مصانع النسيج، وحطمت الاقتصاد، وهي أكثر حكومة قهرت الناس بقوانينها، وشردت مواطنيها كأعلى نسبة، قتلت المجتمع.
{ المعارضة لا توجد إلا عبر الصحف؟
– الحكومة الحالية تحاول تكسير (المقاومة الشعبية)، وليس المعارضة، لأن المعارضة كمصطلح في كل المجتمعات الليبرالية لها دور دستوري مرسوم.. الآن الحكومة الحالية تحاول تكسير الدور الإيجابي للمقاومة الشعبية التي تسميها أنت معارضة، وكان يفترض أن يتعامل النظام مع المعارضة ويسمح لها بدور إيجابي، إلا أنه يقوم بتكسيرها.. المعارضة استطاعت على الرغم من ذلك إنجاز البديل الديمقراطي، والإعلان الدستوري، وحافظت على ضرورة التغيير السلمي.
{ أنت تتحدث عن نظام ليبرالي وهنا يوجد نظام يريد بناء دولته حسب رؤيته الأيديولوجية؟
– أنا نفيت لك وجود معارضة بالفهم الدستوري.. العمل الحزبي يواجه بمقاومة شرسة من المجموعة الحاكمة، والمعارضة ليست ضعيفة وإلا لما صرفت الملايين لمقاومة العزل.. أنظر لحرية الصحافة وإيقاف الصحف، النظام لا يسمح بأية معارضة إيجابية، وبالتالي العنف الحكومي والقمع هو الذي أفرز المعارضة المسلحة، وأيضاً الإهمال الصحي والتعليمي والزراعي والاقتصادي وغياب التنمية.
{ هل يوجد خلاف داخل تحالف قوى المعارضة؟
– لا يوجد أي خلاف داخل تحالف المعارضة.. هنالك آراء حرة ونقاشات مفتوحة، وإذا ما خرج هواء ساخن من أي فصيل سياسي في أي اجتماع تتلقفه حكومة المؤتمر الوطني باعتبار أن خلافاً أو انشقاقاً وقع، وذلك لأنهم لا يعرفون الديمقراطية.
{ اتهم مساعد رئيس الجمهورية دكتور “نافع علي نافع” المعارضة بأنها ضالعة في المحاولة الانقلابية الأخيرة بالاشتراك مع بعض الإسلاميين.. هل ذلك صحيح؟
– نحن وسائلنا للتغيير هي وسائل سلمية، وهذا رأي كل قوى الإجماع الوطني.. لا نؤمن بالتغيير عن طريق الانقلابات العسكرية، وبالتالي لا يمكن أن نضع أيدينا في أيدي من يفعل ذلك ليعيد إنتاج نفس الأزمة، هذا أمر غير وارد الآن في أدبياتنا ومواثيقنا، ولا يمكن أن نضع أيدينا في يد “صلاح قوش”.. هذه تصفية حسابات بينهم لا علاقة لنا بها.
{ تحدثت عن الوسائل السلمية مع أن الأحزاب كانت غائبة في احتجاجات زيادة الأسعار.. أنتم موجودون في الإعلام فقط؟
– القوى الحزبية لم تكن غائبة، لأن هذه الأحداث تمثل همّاً للناس، ونحن لا ننفي وجود قوى شبابية لها تأثيرها، لكنها تتكامل معنا من أجل التغيير.
{ فئة عظيمة من الشعب السوداني وصلت إلى قناعة بفشل الأحزاب السودانية وكل تجارب الحكم؟
– السودان حكم عسكرياً أو دكتاتورياً أكثر مما حكم ديمقراطياً أو مدنياً، والحكومات العسكرية الثلاث التي تعاقبت على السودان لم تكن تعبر عن إرادة شعبه، ولا عن أشواقه، وبالتالي لم تستطع فعلاً أن تلبي تطلعات المواطن.. أما الحكومات التي وصلت إلى الحكم عبر طريق ديمقراطي، فهذه لم تتح لها الفرصة لإنضاج تجربتها أو كما قال السيد “الصادق المهدي” من قبل أن (تصل الميس) حيث لم يسمح لها بذلك.. لذلك لا يمكن أن يقال ببساطة إن الحكومات الديمقراطية أو الحزبية فشلت في إحداث تنمية حقيقية، هي لم تفشل.
{ منذ استقلال السودان في العام 1956م وإلى الآن كل الحكومات التي تعاقبت هي المسؤولة عن ما وصلنا إليه.. الواقع والنتائج يتحدثان؟
– منذ الاستقلال الحكومات الدكتاتورية، وعلى رأسها حكومة المؤتمر الوطني، حكمت بما نسبته (90%) من هذه المدة.
{ قدم أحد الأحزاب الإسلامية وهو (حزب الوسط) طرحاً للدولة المدنية وهو تطور مهم في ظل الشد والجذب بين دعاة الدولة المدنية والدولة الدينية مثلما يحدث في مصر الآن وأنتم رحبتم به؟
– نحن مع الدولة المدنية، التي تعني دولة الديمقراطية والحداثة، ولسنا مع الدولة الدينية بأي حال من الأحوال، ولا نريد إنتاج نفس الأزمة مرة أخرى، لأن المبررات التي سقناها من قبل في موضوع الدولة الدينية والدولة المدنية لا نريد تكرارها، إذا كانت الدولة الدينية تعني أن نحكم باسم الدين، وأن تصرفاتنا البشرية وتفسيراتنا هي التي ستحكم فإن التطبيق الحرفي للنص لن يكون موجوداً.. هذه خطورة الحكم بالدولة الدينية، أن التطبيق الحرفي للنصوص لن يكون موجوداً، وبالتالي سنحكم بالتفسيرات التي يراها الشخص الذي يجلس على كرسي الحكم، ويرجع تفسيره ذلك إلى أصل شرعي ويقول إن هذه دولة دينية، وبالتالي يصبح التفسير النابع من الشخص له قداسة وهالة ولا يمكن الاعتراض أو المشاورة عليه، فيكون القرار الصادر كأنه صادر عن المولى عز وجل.. و”ابن خلدون” قال في مقدمته إن الدولة ما قامت إلا مع الأنبياء المتصلين بالغيب والوحي، وعرف المسلمون الدولة الدينية مع الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكان الصحابة يسألونه حينما يدلي برأيه في مسألة أهو الوحي يا رسول الله أم الرأي؟.. والإمام “مالك” قال إن كل صاحب رأي يؤخذ ويرد إلا صاحب هذا القبر ويعني به قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وبالتالي بعد انقطاع الوحي وانقضاءالأنبياء لا مكان بشكل واضح لدولة دينية تقوم علي تطبيق حرفي للنص الشرعي، وبهذا الفهم نحن مع الدولة المدنية.
{ ما هو شكل هذه الدولة المدنية وعلى أي أسس تقوم؟
– الدولة المدنية تقوم على أن المواطنة هي الأساس للحقوق والحريات، وتعترف بالآخر إثنياً وعرقياً ودينياً، والدولة المدنية هي التي تريد السلطة للأمة وتعيد السيادة للشعب، وتعدّ الأمة مصدراً للسلطات، وتفصل ما بين السلطات التشريعية والتنفيذية، وتعترف بحقوق الإنسان وتكفل الحريات والحقوق الأساسية، وتكفل التعددية الحزبية والمعارضة الحرة، وتسمح للشعب باختيار الحاكم وتعزله وتختار نواب الشعب، وإعلاء قيم الإعلام الحر، وحرية التعبير والتفكير والإبداع والبحث، وإقامة العدالة الاجتماعية، والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وهذا ما اتفقنا عليه في قوى التحالف وسمّيناها دولة الديمقراطية والحداثة.. أما وثيقة (حزب الوسط) فهي متقدمة، وتتفق مع وثائق قوى الإجماع الوطني.