حوارات

والي ولاية البحر الأحمر "محمد طاهر إيلا" في منتجع أركويت السياحي يخرج عن صمته

بعد انتهاء الجلسة الختامية لمؤتمر التنسيق الأمني الأول لولايات شرق السودان بمنتجع أركويت السياحي، بعد أن انتقلت إليه الجلسات من بورتسودان، كان والي البحر الأحمر “محمد طاهر إيلا” يتأمل الطبيعة الخلابة وهي تبدل درجات الحرارة إلى جو بارد يبدد هموم السياسة.. قطعنا عليه- مجموعة من الصحفيين- تفكيره، وسألناه عن استهداف الشرق من قبل إسرائيل، وعن هموم التنمية في ولايته، وغلاء الأسعار، وصبر المواطن على الحكومة.. سألناه أسئلة حرجة وصلت لدرجة الاتهام بأنه أغفل (طوكر) عن بقية المحليات الأخرى، لكن الرجل للأمانة لم يتضايق، وإنما داهمنا عامل الزمن بعد أن غابت أشعة الشمس.. ولم تنته الأسئلة للوالي “إيلا”، وخرجنا منه بهذا الحوار..
{ استهداف إسرائيل للبحر الأحمر ظل محل جدل ونقاش وتأثير على الرأي العام المحلي والعالمي.. لماذا في اعتقادك؟
– استهداف إسرائيل للسودان بصورة عامة، وهذا معلوم للجميع، خاصة منذ أن اختار السودان أن يختط لنفسه خطاً مستقيماً يعبر عن مصالح شعبه وعقيدته وقضاياه، وبناء على ذلك يتخذ المواقف في سياساته الداخلية والخارجية مما جعل الكثير من الدوائر العالمية ترى في ذلك خروجاً عما هو مطلوب من دول العالم الثالث، التي دائماً ونتيجة لظروفها الاقتصادية وضعف إمكانياتها ترهن إرادتها لقوى خارجية طمعاً في الحصول على المساعدات والمعونات، أو خوفاً من البطش وتهديد مصالح الدولة المعنية.
{ د. “إيلا”.. التنمية في البحر الأحمر تمت على حساب الخدمات للمواطن ومن ضمن ذلك قضايا المعاشيين في الولاية؟
– قضية المعاشين كانت ولفترة قضية تشغل ليس ولاية البحر الأحمر ولكن كل ولايات السودان، وهذا نتج لخلاف ما بين الولايات والصندوق القومي للمعاشات، وكنا نحن في ولايات البحر الأحمر والخرطوم والجزيرة نرى أن الصندوق لا يقوم بدوره في استثمار هذه الأموال المستقطعة من الولايات المعنية في استثمارات تعود بالنفع، وتعمل على تحريك اقتصاديات هذه الولايات.. لذلك كان أن اتخذنا موقفاً موحداً من الصندوق، ولكن بعد عدد من الاجتماعات واللقاءات تم الاتفاق أن يقوم الصندوق بالاستثمار في الولايات بجزء من أمواله، خاصة تلك المستقطعة من الولاية المعنية، وتمت معالجة قضية الصندوق مع الولاية، وكل الأخوة المعاشيين في الولاية بحمد الله نالوا استحقاقاتهم كاملة. ونحن نتوقع الآن أن يقوم الصندوق وبالتنسيق مع الولاية بالدخول في استثمارات تساهم في توظيف موارد الولاية وخلق الوظائف.. وإذا نظرنا إلى مبلغ المعاشات الذي يخص ولاية البحر الأحمر فهو لا يتجاوز المليون شهرياً، ونحن صرفنا على التنمية يتجاوز الـ(15) مليوناً في الشهر.
{ “إيلا” يمتلك (عصا موسى) التنموية لتغيير الأحوال في البحر الأحمر؟
– لا.. لا.. الوصفة في ذلك أن يساهم المجتمع وقواه الفاعلة بدور كبير سواء بالرأي أو بالمال. لذلك هذه المشروعات يساهم فيها مجتمع الولاية، سواء عبر المنظمات أو المؤسسات أو قواه الحية في النقابات أو الاتحادات أو عبر اللجان التي شُكّلت لتأهيل المدارس والمساجد وكفالة الأيتام.. كل هذه الأعمال يساهم فيها المجتمع بدور كبير.. الجانب الآخر الذي ساهم في توفير موارد إضافية هو الحد من المصروفات، نحن التزمنا حتى قبل القرارات التي صدرت من المركز بالعمل بالحد الأدنى بالنسبة لتشغيل دولار الحكومة، في المرتبات أو في العربات.. نحن من البداية حتى قبل التوجيه الاتحادي بالعمل بإيقاف كل العربات الحكومية، تخلصنا من أكثر من (400) عربة، والآن ما عندنا حاجة اسمها عربة حكومية عندنا عربة للمأموريات فقط.. الوزير لديه عربة واحدة.. الموظفون ملّكناهم العربات، إذا وظيفته تقتضي أن نحتاج إلى عربته نعطيه بدل ميل.. النقطة الثالثة نحن وجدنا تعاوناً كبيراً ومقدراً من الجهاز المصرفي، وأنشأنا العديد من المحافظ، وتم تمويل العديد من المشروعات عبر الجهاز المصرفي.. يعني المدينة الصناعية تم تمويلها بمبالغ تجاوزت (37) ملياراً، مولها لنا مصرف التنمية الصناعية، وجهزنا في المدينة الصناعية البنية التحتية من الطرق والكهرباء والاتصالات.. وكنوع من التشجيع، المتر يكلفنا قرابة الـ(50) ألفاً نبيعه بمبلغ (8) آلاف للمستثمر وبأقساط مريحة.. ونحن همنا أن تقوم الصناعة وليس بيع الأرض، ولأننا نعرف أنه إذا كانت الأرض خالية لن يستطيع المستثمر أن يعمل طريقاً أو يوصل الكهرباء، فنحن قمنا بتحمّل هذه البنية التحتية، وتحمّلها مصرف التنمية الصناعية.. وعدد كبير من المستشفيات في هيا وسنكات وسواكن موّلها لنا بنك أم درمان الوطني، وكذلك مصرف المزارع، وقمنا بإعداد عدد من المحافظ منها محفظة الأمن الاقتصادي، يشارك فيها (18) بنكاً، نوفر كل احتياجات الولاية من السكر والذرة والدقيق والعدس، والآن المحفظة شغالة بميزانية تتجاوز الـ (28) ملياراً، لذلك نحن نعدّ الجهاز المصرفي في ولاية البحر الأحمر شريكاً بالنسبة لنا في التنمية.
{ مشكلة مياه ولاية البحر الأحمر ومدها بمياه النيل.. لقد توقف المشروع وصرتم تعتمدون على مصادر المياه المحلية من سد أربعات وما إلى ذلك؟
– والله أبداً.. الأخ وزير المالية “علي محمود” في خطابه بعد إجازة الميزانية ذكر بعض القضايا التي حوتها الميزانية، ومن ضمنها مشروع مد ولاية البحر الأحمر بمياه النيل.. وهذا بالنسبة لنا بشارة وامتداد لجهد متصل، وقد تم دفع المقدم لهذا المشروع وتم توقيع العقد واكتمال الدراسات، وهذا هو الحل المستدام بالنسبة لمياه البحر الأحمر.. ونحن الآن نحاول أن نرتب مصادر المياه في الولاية لاحتياجاتنا، وقضيتنا الأساسية الآن مياه النيل.
{ على الرغم من هذه الإنجازات المادية في الولاية والتنمية لكن الزائر يلاحظ أن هنالك أحزمة فقر حولها والمواطن في الشرق ما زال يتحدث عن مفردات التهميش؟
– التهميش معالجته تتم على طريق التنمية، والتنمية تكون بهذا العمل الذي رأيتموه، ونحن من أول برامجنا ومشروعاتنا للمواطن كان مشروع التوطين في القرى النموذجية من خلال تجميع المواطنين ليسهل تقديم الخدمات.. بعد ذلك كان الخروج من المدينة لكي نصل هؤلاء الذين رأيتموهم في الوديان وفي الريف لنقدم لهم الخدمات الصحية والتعليمية، وإذا لم تستهدف الإنسان بالمياه والكهرباء والصحة والتعليم وبنيته التحتية، هو نفسه لن تجده.. صحيح أنه في يوم واحد لن يكون كل الناس يسكنون في منازل ثابتة تتوفر فيها المياه والتيار الكهربائي وتمتد فيها الطرق، لكن نحن نعتقد أنه الآن على الأقل وضعنا أساساً في القضايا الأساسية من الصحة والتعليم والكهرباء والطرق، ومافي مواطن حياته تتغير إذا مددنا له ملعقة في فمه، ولكن أن تهيئ له المناخ لكي يزرع ويصنع وتوفر له متطلبات العمل وسهولة الحركة واستقرار أسرته، وهذا هو علاج أحزمة الفقر التي تقولها وليس الإغاثات والنظريات.
{ ما زال البحر الأحمر يتعرض للغارات الإسرائيلية.. هل تعتقد أن جهاز الموساد متغلغل داخل المجتمع؟
– اعتقد أن جهاز الموساد مثل أي جهاز آخر، حاول أن تكون لديه مصادر للمعلومات في المواقع والمناطق التي تؤثر على أمنه القومي، ولكنا سمعنا بعد هذه الحوادث حديثاً كثيراً من القيادات الإسرائيلية، بأن منطقة شرق السودان أو السودان بصورة عامة يمثل لهم تهديداً باعتباره معبراً للسلاح، وثانياً لأنه معبر كذلك للبشر.. وأنا اعتقد أن المؤتمر التنسيقي الأمني الأول لشرق السودان قد ناقش القضيتين وقدم مقترحات وتوصيات للحد منهما ومعالجتهما، واعتقد أن هذا يتطلب من الناس أن يعملوا على تأمين حدودهم والعمل على إزالة أي مخاطر تهدد بلدنا بإزالة أسبابها.
{ في الاعتداءات الإسرائيلية تكونت لجان تحقيق وتعويض ولكن تظهر تقارير هذه اللجان؟
– تكونت لجان تحقيق من الجهات المعنية في الشرطة والأمن والقوات المسلحة، وكما هو معلوم فإن العدو ليس موجوداً، وليس من الممكن الوصول إليه بواسطة هذه اللجان، لكن هذه اللجان قدمت معلومات وحيثيات للجهات المعنية، ويمكن أن هذا المؤتمر الأمني واحد من الأسباب التي تجعلنا نزيل هذه الأحداث.. وتعويض المواطنين السودانيين يتم في إطار القانون، يعني مثلاً بالنسبة للعربات التعويض يتم عن طريق شركات التأمين.
{ طوكر بعيدة كل البعد عن التنمية التي يقوم بها “إيلا” في محليات البحر الأحمر الأخرى؟
–  والله هذه القضية فيها تباين لوجهات النظر، بالنسبة لطوكر فهي تقع كمدينة في منطقة منخفضة يهددها خور بركة سنوياً، والآن بكل المقاييس صارت غير صالحة ليوجد الناس فيها، ويطوروا البشر فيها، لأنهم موجودون في منطقة خطرة، وقد قامت الجهات المسؤولة بإعداد دراسات قبل وصولي للولاية كوالٍ، وخرجت هذه التوصيات بأهمية إنشاء مدينة جديدة في منطقة تبعد (17) كيلومتراً عن طوكر وعلى منطقة مرتفعة بعيدة عن مجرى السيل، واكتملت الدراسات وتبقى التنفيذ، ونحن كان لنا شرف التنفيذ في أننا بدأنا بدعوة الناس وتوزيع القطع السكنية تم بناء مدرستي أساس ومدرستين للثانوي، بالإضافة إلى المستشفى ومبنى المحلية، وعدد من الطرق، وشبكة مياه، ومسجد وسوق لكي يتم الرحيل، ولكن مثل أية منطقة أخرى من مناطق السودان دائماً تكون هنالك مقاومة ممن تدعوه للرحيل، خاصة إذا تعودوا على المنطقة وعلى الرغم من أنها تشكل خطراً على حياتهم.. هنالك من اقتنع وهنالك من لم يقتنع.. ونحن بالنسبة لنا هذه قضية مسؤولية وليست قضية للمزايدات السياسية أو الكسب الرخيص.. والزول يتحمل المسؤولية بغض النظر عن أن مجموعة لديها مصالح لا تريد أن ترحل.. لكن في الآخر أن تعمل الصاح حتى إذا لم تتمه سيأتي غيرك ليتمه، مثلما نحن بدأنا ننفذ ما بدأه غيرنا.
{ وجود السفن الإيرانية والباكستانية خلق حالة خوف بين وزارتي الخارجية والدفاع.. ألا تستشعر ولاية البحر الأحمر الخطر من وجود هذه السفن؟
–  خطر من ماذا؟!
{ من الصواريخ الإسرائيلية ونحن صرنا قبلة للصراع بين تل أبيب وطهران؟
– والله ما بستشعر خطر، لأنه أساساً الجهات الأمنية في السودان والجهات المعنية بالسياسات الخارجية رأت أن هذه المسألة من المصلحة العليا للبلد، والبلد فيها نظام اتحادي المسؤوليات فيه تتدرج، هنالك مسؤوليات اتحادية حصرية، وهنالك مسؤوليات ولائية، ونحن كولاية لا تقع في نطاق مسؤولياتنا لا السياسة الخارجية ولا السياسة الأمنية للبلاد، لكن ما دام رأت الجهات الاتحادية أن وجود السفن لا يشكل خطر أنا بقتنع برأي الأخوة المسؤولين في هذه الجهات، ونحن في حكومة واحدة بنكمل بعض.
{ ارتفاع الأسعار يشغل بال المواطن؟
– نحن زينا زي أجزاء السودان الأخرى، أيضاً نعاني من ارتفاع الأسعار، ومحاولتنا في معالجتها كانت بالحد من الأسباب غير المبررة أو الأسباب غير المنطقية، لذلك عملنا المحفظة للسلع الأساسية، وعندما كان الناس يتحدثون عن جوال السكر ارتفع إلى مبلغ (280) جنيهاً نحن كان لدينا سعر جوال السكر بـ(250) جنيهاً وحتى الآن، ولدينا (50) ألف جوال ذرة احتياطي موجود، ولدينا احتياطي من كل هذه السلع، وكذلك سعينا لكي نعمل مشروعاً للأمن الغذائي للمواطنين ونتعاون مع إخواننا في اتحادات العمال لكي نوفر لهم احتياجاتهم عبر التمويل الأصغر، لكن اعتقد أنه في الآخر قضية اقتصادية بها جانب غلاء قادم من الخارج، وهذا واضح في ارتفاع سعر الصرف الذي ينعكس على السلع، وهنالك غلاء وارتفاع سعر محلي ناتج من التكاليف في بعض المنتوجات، مما يتطلب أن تكون المعالجة معالجة كيف يرفع الناس الإنتاجية.. وكيف يكون العرض أكثر من الطلب!!
{ هنالك حديث بأن مطار بورتسودان مبني فوق أحد آبار البترول.. هل هذا صحيح؟ وفي جانب آخر هل أصابت حمى التعدين العشوائي عن الذهب مواطني الولاية؟
– هذا حديث غير مؤسس، لأن هنالك أقماراً اصطناعية ووسائل حديثة لتوفير المعلومة حول وجود البترول، وأنا أختلف معك في توصيف التعدين الأهلي بأنه حمى تعدين عشوائي، هذه ظاهرة صحية، ونحن في ولاية البحر الأحمر سعداء جداً بالتعدين الأهلي، ونحن من أكثر ولايات السودان وجوداً للذهب، والحمد لله.. ونعتقد أن التعدين الأهلي هو واحد من العوامل التي حققت الاستقرار ووفرت دخلاً كبيراً للمواطنين ونسعى لتنظيمه، وكل الولاية موجود بها ذهب.
{ هنالك انتقادات وجهت لك بخصوص إقامة مشاريع المهرجانات السياحية وأن هذا يمثل انصرافاً عن هموم المواطن؟
– والله ديل ذاتهم ما بعرفوا اقتصاد، لأنك إذا بتعرف اقتصاد فإن المهرجان هو تظاهرة اقتصادية للترويج للسياحة وهي عمل اقتصادي بالدرجة الأولى، في وقت فيه السياحة تمثل لأكبر دول العالم مورداً، حيث يقول السفير البريطاني بعد زيارته لبورتسودان إن السياحة تحقق لبريطانيا (21) مليون جنيه إسترليني، فالذين يتحدثون عن أن السياحة قضايا انصرافية نريد منهم بدل النقد أن يقدموا بدائل.. نحن نعتبر باجتهاداتنا أن السياحة مدخلنا لتوفير الفرص ومدخلنا لدخل مستدام.
{ هنالك مشكلة في افتتاح الطريق الساحلي بين مصر والسودان لم تحل بعد؟
– المشكلة حول أين تكون نقطة الجوازات وإجراءات الدخول والخروج بالنسبة للبلدين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية