تخصيص نسبة 20% من الأموال المستردة في قضايا التسويات لصالح النيابة العامة
خبراء قالوا إنها تقدح في سير العدالة
تقرير : نجدة بشارة
أصدرت الحكومة مؤخراً قراراً قضى بتخصيص نسبة 20% من الأموال العامة المستردة من قضايا التسويات للنيابة العامة، في مرحلتي التحري والمحاكمة، على أن يتم صرف النسبة المذكورة في البند (1) المتعلق بإنشاء النيابات العامة وتحسين بيئة العمل، بجانب دعم تكافل أعضاء النيابة العامة وفق الضوابط التي يحددها النائب العام.
وأثار القرار جدلاً قانونياً كثيفاً، فتح الباب على مصراعيه للتأويل بشأن مصير المال العام المسترد في قضايا التسويات.
وحسب خبراء قانونيين أن القرار سيكون خصماً على مسار العدالة، وهدراً لولاية المال العام الذي يلاحقه المراجع العام بالباب ليخرج بشباك النيابة العامة.
وقال خبراء اقتصاديون إن مصير الأموال المستردة من التسويات يجب صرفها حسب ما تقتضيه المصلحة العامة، وأن تضم لخزينة الدولة، وتحسب ضمن الإيرادات أو تكون تابعة لولاية جهة ما، وتصرف على الخدمات العامة كالتعليم والصحة.
وقال الخبير الاقتصادي بروفيسور “عصام الدين بوب” لـ(المجهر) إن الأموال المستردة، ينبغي أن تدخل ضمن الموارد العامة للدولة، ولا يجوز تجنيبها وفق أي مُسمى، ولا يجوز أن تدخل إلى جهة قانونية.
وحذر من مغبة القرار على ولاية المال العام ودخول أموال لجهات عدلية بنسبة أقرتها الحكومة تحت ذريعة المساهمة في تأسيس النيابات بالولايات.
وعدها مخالفة قانونية، وأفاد يجب أن تورد كافة أموال التسويات للخزينة العامة، وخصم مبلغ لصالح النيابات يعتبر مالا مجنبا، ويفتح بابا واسعا لمزيد من المخالفات التي تبيح لاحقا أن ترتكب في حق المال العام.
وطالب “بوب” بعودة تفعيل القوانين واللوائح التي كانت تسود السودان عقب الاستقلال.
السُلطة القضائية منذ توجيهات رئاسة الجمهورية في العام 2017م وإعلان الحرب على الفساد والقضاء عليه، وعلى المضاربات في العُملة، والثراء الحرام، أصدرت بموجب تلك التوجيهات أمر تأسيس محكمة تختص بمكافحة الفساد ومخالفات المال العام ونظر في الدعاوى الخاصة بقضايا الفساد واستغلال النفوذ والتعدي على المال العام، وكانت الحكومة في وقت سابق أسست الحكومة آلية لمكافحة الفساد في يونيو العام 2012، وفي العام 2016 تمت إجازة قانون مفوضية مكافحة الفساد، قبل أن تنشيء الحكومة مؤخراً محكمة جرائم الفساد ومخالفات المال العام.
وتم خلال فترة وجيزة استرداد بعض من المال العام بموجب بند التسوية، وتم استرداد مبلغ (500) مليار جنيه من رجل الأعمال المعروف “فضل محمد خير”، وإطلاق سراح رجل الأعمال “الحاج الحداد” بعد تسديد مبلغ (150) مليار جنيه لتسوية قضية تهرب ضريبي، في الحملة على الفساد التي قادها جهاز الأمن والمخابرات ومحاربة ما عرف بالقطط السمان حسب توصيف الرئيس “البشير” للمتهمين بنهب أموال الدولة.
الخبير القانوني وعضو نقابة المحامين المحامي “هاشم كنه” قال في حديثه لـ(المجهر) إن قرار تخصيص نسبة من المال المسترد من قضايا التسويات، للنيابات العامة قد يؤسس لمبدأ غريب يجعل كل من يؤدي واجبا مهنيا تفرضه أعباء الوظيفة له الحق في أن ينال نصيبا من نتاج عمله وأن هذا القرار يفتح بابا واسعا للتسويات، وفي حال إحالة القضية للمحكمة وتوفر فرص لشطب البلاغ ثمة مخاطرة قد تنجم، لجهة أن النيابة قد تعد ذلك ضياعا للعمولة الخاصة بها، خاصة وأن النسبة المقررة للعمولة لا تقف عند المؤسسة النيابية وإنما تتجاوزهم بجعل أحقية للأفراد من خلال ما سُمي ببند التكافل لأعضاء النيابة وعدى “كنه” الخطوة بأنها باب لهدر ولاية المال العام الذي يلاحقه المراجع العام بالباب ليخرج بشباك النيابة العامة
من جانبه يرى المستشار القانوني “أسامة صالح” في حديثه لـ(المجهر) أن قرار تخصيص نسبة من الأموال العامة المستردة للنيابة العامة قد يلقي بظلال من الشك والتوجس حول استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية الوارد بالمادة ١٣٣/أ من دستور السودان الانتقالي لسنة ٢٠٠٥ تعديل ٢٠١٦ ، وفي المادة الثانية من قانون النيابة العامة لسنة ٢٠١٧. وتصبح بموجبة النيابة العامة المنوط بها تحريك الدعاوى العمومية، وكيلة بأجر للسلطة التنفيذية في تحصيل حقوقها.
وقد يؤدي هذا الفهم إلى عدم اطمئنان المتهمين للنيابة العامة لوجود شبهة المصلحة في المال محل الإجراءات، والمشرع السوداني انتبه لهذه الشبهة وما يترتب عليها من آثار سالبة في المادة (٣٤ ) من قانون المحاماة التي منع بموجبها المحامي من الاتفاق على أخذ جزء من الحقوق المتنازع عليها نظير أتعابه أو على مقابل ينسب إلى قدر أو قيمة ما يحكم به في الدعوى، أو أن يعقد اتفاقا على الأتعاب من شأنه أن يجعل له مصلحة في الدعوى أو في العمل الموكل به ومعظم التشريعات التي تنظم مهنة المحاماة تمنع اتفاق المحامي على نسبة من الحق المتنازع عليه نظير أتعابه
وهذا القرار يجعل لوكيل النيابة مصلحة في البلاغ قد تجعله يلجأ للتسويات في مرحلة التحري خشية احتمال شطب البلاغ في مرحلة المحاكمة وأغلب الظن تتم تسويات ضعيفة تهدر أموالاً مقدرة من المال العام، وتصب وكيل النيابة في قالب إيرادي بمنأى عن القانوني.
وهذا القرار يدخل النيابة العامة في دائرة الوكالة المأجورة يخالف المادة (١١) من قانون النيابة العامة التي حددت سًلطات واختصاصات النيابة على سبيل الحصر، والمادة ٤٣/أ التي تنص على بعد النيابة من مواطن الشبهات
كما أن هذا القرار قد يقدح في صدق شعارات إصلاح المنظومة العدلية.