حديث السبت -يوسف عبد المنان
حقوق الإنسان وحرية الصحافة وسلام المنطقتين
وصفة أمريكية جديدة لرفع السودان من قائمة الإرهاب
في الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، شروطها الستة لرفع اسم السودان من قائمة الدول (الإرهابية) رعاية أو دعم أو إيواء.. أطلق الرئيس “عمر البشير” وصفاً دقيقاً للمراهنين على الولايات المتحدة، كنقد للأنظمة من غضبة شعبها.. وقال “البشير” أمام حشد كبير من قوات الدفاع الشعبي وقادة القوات المسلحة.. والمجاهدين.. والمقاتلين القدامى بأن (المتغطي بأمريكا عريان)!! وأبرزت معظم الصحف الصادرة صباح (الأربعاء) الماضي، قول “البشير” الذي جاء بعد أيام محدودة من إعلان أمريكا اشتراطاتها الستة الجديدة في مسار المرحلة الثانية من الحوار السوداني الأمريكي، الذي بدأ في الخامس من نوفمبر الجاري في واشنطون بين وزير الخارجية السوداني د.”الدرديري محمد أحمد” ونائب وزير الخارجية الأمريكية “جون سوليفان” وقد حدد المسؤولون في الخرطوم وواشنطون مدى زمنياً قدره تسعة أشهر ليبلغ الحوار في الخامس من أغسطس 2019م، نقطة النهاية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الإرهابية.. والشروط الأمريكية الستة حسب بيان الخارجية الأمريكية فإن المسارات الستة تشمل توسيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز حماية حقوق الإنسان وممارستها بما في ذلك حرية الدين وحرية الصحافة وتحسين وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين ووقف الأعمال العدائية وخلق بيئة أكثر ملائمة للتقدم في عملية السلام في السودان، واتخاذ خطوات لمعالجة الإدعاءات البارزة المتعلقة بالإرهاب والالتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلق بكوريا الشمالية، وقبل قراءة ما وراء الشروط الأمريكية الستة يجدر بنا سؤال فريق التفاوض الحكومي مع الولايات المتحدة الذي يقوده وزير الخارجية، ولكنه يضم كل الأجهزة ذات الصلة بالأمن والدفاع والسياسة.. ما هي الشروط السودانية لتحسين العلاقات مع الولايات؟ أم التفاوض مع الولايات المتحدة لا يتعدى تقديم التنازلات أمام الأمريكان، وصولاً لرفع اسم السودان من قائمة الدول الإرهابية بعد أن نجح السودان في رقع العقوبات الاقتصادية، بيد أن البلاد لم تستفد شيئاً نظراً لوجود (مانع) قانون للدول التي ترغب في الاستثمار والتعاون مع السودان تمثل وضعية السودان في اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ولذلك تعتبر الخطوة القادمة هي الأهم في مسار العلاقات السودانية الأمريكية ومع أن أغلبية بنود الشروط الأمريكية هي بنود ينبغي أن تكون اهتمامات حكومية وطنية غير خاضعة للمساومة من قبل الولايات المتحدة، مثل توصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب.. فهؤلاء مواطنون لهم حقوق وإن رفعت عنهم الواجبات.. لوجودهم في مناطق تقع عملياً خارج حدود السيادة الوطنية لسيطرة الفصائل المسلحة عليها.. ولكن الحكومة لها مسؤوليات أخلاقية نحو هؤلاء المواطنين.. بيد أن السؤال الذي يغيب عن الجميع هل هناك مناطق بها نقص في الغذاء تستعدي تدخلات إنسانية سواء في جبال النوبة أو دارفور؟ وما حجم حاجة هؤلاء للغذاء؟ وهل النازحون في المعسكرات من بين هؤلاء المحتاجين؟ ولماذا لم تفرض الحكومة الأمريكية ضغوطاً على الحركة الشعبية (شمال) للقبول بالمبادرة الأمريكية لتوصيل المساعدات الإنسانية التي أعلنت الحكومة القبول بها؟ وما المطلوب الآن من الحكومة في ملف توصيل المساعدات الإنسانية؟.. أما مطالبة الولايات المتحدة بتعزيز حماية حقوق الإنسان وممارستها بما في ذلك حرية الدين والصحافة، فإن ملف حقوق الإنسان ينبغي أن يكون شأناً وطنياً.. واحترام الحكومة لحقوق مواطنيها وعدم تعرضهم للاضطهاد.. وسلب حرياتهم وحقهم في التعبير هي قضية داخلية.. ولا تعني بذلك إطلاق يد الحكومة لتفعل بما شاء لها بالمعارضين تنكيلاً وسجناً.. وقمع الصحافة بالمصادرة وحرمان الصحافيين من حق العمل، ولكن ملف حقوق الإنسان برمته شأناً قومياً وطنياً، وفي الأيام الأخيرة وقع الصحافيون على ميثاق شرف للالتزام بالقانون وحسن الممارسة ورشدها.. مقابل ذلك أعلنت الحكومة عن إيقاف مصادرة الصحف بعد الطباعة وتكبيد الناشرين خسائر فادحة تؤدي بهم للخروج من ساحة الصحافة على المدى البعيد.. وتبعاً لذلك أعلن المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات المهندس “صلاح قوش” عن شطب جميع البلاغات التي كانت تواجه الصحافيين منذ العام 2005م، وفتح صفحة جديدة.. في سياق التعافي السياسي العام، ولا يذكر اتحاد الصحافيين عدد البلاغات المقيدة ضد صحافيين وكُتاب وصحف من قبل الجهاز.. وتعتبر قضية حقوق الإنسان عقبة كبيرة تواجه الحكومة في مجلس حقوق الإنسان سنوياً.. ويتأرجح موقف البلاد ما بين الوصاية الدولية عبر البند العاشر والتاسع والرابع.. وقد تهللت أسارير وزير الدولة وضرب دفوف الفرح لمجرد إنهاء ولاية الخبير المستقل والاستعاضة عنه بمكتب لممثل المفوض العام لحقوق الإنسان في الخرطوم لمهام الرقابة.. وكان حرياً بحكومتنا (إغلاق) ملف حقوق الإنسان من تلقاء نفسها وأن لا تنتظر حتى يفرض عليها من قبل الولايات المتحدة.. وحينما تضع الحكومة إستراتيجية للخروج من نفق الإدانات الدولية بسبب حقوق الإنسان.. وكان نائب رئيس الجمهورية السابق “حسبو محمد عبد الرحمن” قد وضع أصبعه على الجرح.. وشكل لجنة من خبراء في وزارة العدل والنيابة وجهاز الأمن والشرطة لوضع إستراتيجية واضحة المعالم بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم رؤية حول تعارض القوانين السودانية مع العهد الدولي لحقوق الإنسان وما يمكن إصلاحه وتعديله وما لا يمكن إصلاحه لوجود نصوص قطعية في الكتاب والسُنة.. وذهبت جهود “حسبو” أدراج الرياح ولم ينفذ شيئاً من تلك التوجيهات.. لوجود مراكز قوى داخل النظام.. تعتبر الالتزام بحقوق الإنسان يحد من حركة أجهزتها وربما يمهد الطريق للقوى المتربصة بالنظام لإسقاطه.. ثالث البنود الستة الذي يعتبر كذلك شأناً داخلياً محضاً هو وقف العدائيات وخلق بيئة أكثر ملائمة للتقدم في عملية السلام في السودان.. وبقراءة هذا الشرط فقط مطلوب من الحكومة (خلق بيئة أكثر ملائمة) لأن وقف العدائيات ظل سارياً لسنوات وتوقفت عملية الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق.. وكما أنقضى أجل معلن لوقف إطلاق النار أعلنت الحكومة تجديد الوقف مرة أخرى وبادلتها الحركة الإعلان من الضفة الأخرى بإعلان مماثل.. وتعثرت المفاوضات المفضية لسلام نهائي والشرط الأمريكي لم يتحدث عن التزامية الحل، ولكنه تحدث عن خلق بيئة ملائمة للسلام فماذا يعني الأمريكان؟ هل أدركت واشنطون أن واجب الحكومة خلق بيئة ملائمة على أن تقبل الحركات المسلحة على السلام، هذه الشروط الثلاثة صعبة التحقق خلال تسعة شهور فقط، فالسلام لا بد له من مقومات ورغبة لكل الأطراف وليس إرغام الحكومة وحدها؟ والسلام الذي يتنزل بالضغوط لا يعمر طويلاً.. وبالنظر إلى البنود الثلاثة الأخرى فإن شرط الالتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلقة بمقاطعة كوريا الشمالية من الشروط التي نفذتها الحكومة بعد إعلان رفع المقاطعة الاقتصادية مباشرة، ولم يعد للخرطوم علاقة تجارية أو غيرها (بيونو يانق) والولايات المتحدة الأمريكية بيدها المعلومات كاملة، ماذا كان هناك تعاون بين السودان وكوريا الشمالية المنبوذة من المجتمع الدولي، أما ملف الإرهاب فإن التعاون بين جهاز المخابرات السوداني ووكالة المخابرات الأمريكية قد بدأ منذ أحداث سبتمبر.. وللمخابرات الأمريكية أكبر وجود في الخرطوم في المنطقة.. وحتى حلفاء أمريكا في المنطقة على قناعة بأن السودان دولة لا تأوي الآن أي جماعات معارضة لحكومات الخليج الحليفة لأمريكا ولا ترتبط الحركة الإسلامية بوشائج صلاة تنظيمية بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، فكيف تصبح الخرطوم داعمة للإرهاب، أما التعاون في المكافحة فقد قدمت الخرطوم الكثير في هذا الملف.. ودفعت من ميزانيتها الشحيحة لمحاربة تجارة البشر على الحدود مع دول الجوار الأفريقي والعربي والسودان دولة عبور وليس مصدر للقوى البشرية التي تتطلع للهجرة إلى أوروبا والتي يطلق عليها الهجرة غير الشرعية.. والبنود الستة التي وضعتها الولايات المتحدة يمكن التغلب عليها.. فهل يدخل السودان من بعد ذلك النادي الأمريكي؟ وكانت الولايات المتحدة قد وضعت خمسة مسارات وشروط لرفع المقاطعة الاقتصادية والعقوبات الأمريكية حتى صدر في 13 يناير 2017م، الأمر المؤقت برفع العقوبات والتي اتخذ الرئيس الحالي “ترمب” قراره بإلغائها في 6 أكتوبر 2017م، وكانت المسارات الخمسة تشمل حسب تقرير الخارجية الأمريكية حينذاك (1) الحفاظ على وقف الأعمال العدائية في دارفور والمنطقتين (2) تحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى أرجاء السودان كافة (3) الحفاظ على التعاون مع الولايات المتحدة (4) لحل النزاع في جنوب السودان (5) مكافحة جيش الرب ومخاطبة تهديد الإرهاب ولم تستوف إنفاذ هذه الشروط، ولكن رفعت الولايات المتحدة عقوباتها كإغراء للسودان للمضي قدماً في التعاون مع الولايات المتحدة.
فهل تنجح الحكومة في التغلب على الشروط التي وضعتها واشنطون في الوقت الذي يقول الرئيس “البشير” أن المتغطي بالولايات المتحدة (عريان) وهي عبارة تكشف عن يأس من خيراً في الولايات المتحدة الأمريكية.