مؤتمر الحركة الإسلامية.. تجديد للثوابت أم بكاء على الأطلال؟
هل تعنى بالتزكية الروحية أم تندمج في الحزب؟
فاطمة مبارك
ينعقد اليوم المؤتمر العام التاسع للحركة الإسلامية وسط ترقب حذر من المتابعين لمسيرة الحركة الإسلامية. كما أن منتسبيها ليسوا أكثر تفاؤلاً بأعمال المؤتمر في أن يعيد للحركة تماسكها ووحدتها التي أهلتها لاستلام السُلطة، ربما بسبب الصراعات والشروخ التي صاحبت مسيرتها منذ أن حدث التداخل في المهام بين الحركة وحزب المؤتمر الوطني خلال السنوات الماضية، وامتد هذا التأثير إلى عضويتها الذين لم يعد بعضهم آبه لوجود الحركة، فيما يصر تيار المناصرين للحزب على وجودها وتأثيرها في الفعل السياسي والفكري ونتيجة لذلك برزت تيارات، كل تيار أصبح يناصر مجموعة من القيادات يظن أنها قادرة على إعادة الحركة إلى سيرتها الأولى، وظهر ذلك بوضوح في المؤتمر العام الثامن عندما حاول بعض الشباب ترشيح دكتور “غازي صلاح الدين” لكن الدكتور فضل الانسحاب عندما شعر أن الأمين العام الجديد سيتم اختياره من مجلس الشورى وليس من المؤتمر العام.
ومنذئذ أصبحت هناك احتقانات وقناعات لدى شريحة من الشباب بعدم جدوى وجود حركة إسلامية طالما حدث تجاوز لكثير من ثوابتها.
منصب الأمين الجديد محسوم
تعقد الحركة مؤتمرها التاسع في ظل قضايا شائكة، ويبدو أن أمر الأمين العام الجديد أصبح محسوماً على خلفية أنه لابد أن يكون مؤيداً لسياسات الحزب المستقبلية المختلف على بعضها بين قياداته أبرزها ترشيح الرئيس “البشير” في انتخابات 2020 م، ومتفقاً حول عدم تفعيل دور الحركة في المرحلة القادمة وأن يظل حزب المؤتمر الوطني ممسكاً بزمام الأمور، هذه القناعة جعلت كثير من منتسبي الحركة يؤكدون أن القيادات المؤيدة لهذا الاتجاه رتبت الأوضاع كيفما شاءت قبل انعقاد المؤتمر بالرغم من علمها باستعداد تيار آخر إلى تبني خيارات مختلفة ربما تقود إلى تفلتات وصراعات ظاهرة مهدت لها مخاطبات شهدتها المؤتمرات الولائية خاصة ولاية نهر النيل والنيل الأبيض، أما مؤتمر ولاية الخرطوم، فقد شهد حضوراً لقيادات حركية نوعية معروفة مثل دكتور “نافع علي نافع” ودكتور “غازي صلاح الدين” حرصوا فيها على ترديد أناشيد إسلامية مع الشباب قصدوا خلالها إحياء قيم وأشواق تجاوزتها الحركة الإسلامية الحالية.
هذه الحالة جعلت أكثر الإسلاميين حماسة للحركة لا ينتظرون نتائج مرضية من المؤتمر، لا على صعيد الأمين العام الجديد، الذي قيل إن دكتور “عبد الرحمن محمد علي” أكثر الشخصيات حظاً في نيل هذا الموقع ولا على صعيد دور الحركة الفاعل، وهؤلاء بعضهم لا يرى أن هناك حركة إسلامية، وما يحدث الآن هو محاولة للبكاء على الأطلال وآخرون يرون أن ما يسمون أنفسهم حركة إسلامية مجموعة من الأشخاص تربطهم مصالح سياسية.
هل سيعيد المؤتمر ماضي الحركة
الشعور العام لدى أكثر ما كانوا يعرفون برموز الحركة من شريحة الشباب يكسوه الاستياء وعدم الأمل في إمكانية أن يعيد المؤتمر التاسع ما أفسده الدهر وظهر ذلك عندما طلبت من بعضهم الحديث عن توقعاتهم لهذا المؤتمر، حيث قال أحدهم وهو من الشباب المعروفين بولائهم للحركة الإسلامية إنه غير متابع لما يحدث داخل الحركة الإسلامية ومشغول بقضايا حزبية تتعلق بانعقاد المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني، قيادي آخر توقع أن تحدث منافسات حول اختيار الأمين العام شبيهة بالتي حدثت في المؤتمر الثامن على ضوء أن هناك تيارات بعضها يحن للشخصيات الحركية القديمة وبعضها لازال متمسكاً بالوجود الفعلي لهذا الكيان، وبدوره اقر الأمين العام الحالي للحركة “الزبير أحمد حسن” خلال حوار أجرته معه بعض الصحف قبل المؤتمر بأيام بأن التنافس لقيادة الحركة الإسلامية طبيعي، بين يدي انعقاد المؤتمر العام التاسع، لكنه قال لا صراع في الحركة حول القيادة، وأضاف مناخ الحركة الإسلامية العام ليس به صراع بل سنجتهد لنقنع القيادات بالترشح لقيادة الحركة ونحبذ إبعاد عملية الشورى من التكتلات واللوبيهات.
المهتمون والمراقبون وبعض الإسلاميين الذين انشقوا عن هذه الحركة يعتقدون أن هذا المؤتمر سيحظى باهتمام داخلي على خلفية الجدل المثار حوار تراجع دور الحركة الإسلامية واستحواذ حزب المؤتمر الوطني على مهام وأدوارها، كذلك على المستوى الخارجي تهتم بعض الدول بشأن الإسلاميين اعتقاداً منها أنهم يؤثرون سياسياً وفكرياً على بلدانها فيما سبق أن طالبت دول كبرى بحل الحركة الإسلامية لكن هذا المطلب وقفت ضده بشدة قيادات معروفة.
أشبه بالجمعية الخيرية
بين الإسلاميين الذين طرحنا عليهم سؤالاً كيف تنظرون إلى مؤتمر الحركة الإسلامية التاسع؟، القيادي بالمؤتمر الشعبي “تاج الدين بانقا”، ويعتقد “التاج” أن الحركة الإسلامية بعد المفاصلة ذهبت مع الراحل “الترابي” مكونة جسم المؤتمر الشعبي، وبحثاً من المؤتمر الوطني لشرعية وسط التيارات الإسلامية بالخارج ومحاولة منه لاستيعاب الإسلاميين الواقفين على الرصيف، كون تنظيم عرف بالكيان الخاص، لكن لم تفلح المحاولة في استيعاب إسلاميي الرصيف ولا في اعتراف الحركات الإسلامية بالخارج بالكيان، واستمرت المحاولات لإضفاء الشرعية على النظام، وحاولوا إلصاق اسم الحركة الإسلامية في هذا الكيان لإقناع الحركات الإسلامية بالخارج، وأقام هذا الكيان مؤتمرات على نسق الحركة الإسلامية حتى تجد الشرعية لكنها لم تفلح، فاتجهت للداخل حيث كانت العلاقة غريبة بين الكيان والمؤتمر الوطني لأن كل أعضاء الكيان هم أعضاء في المؤتمر الوطني، لكن ليس كل المنضمين للوطني منضمين للكيان الخاص، وأصبحا تنظيمين داخل تنظيم، وبذلك لم يتم تكيفها كحزب سياسي حتى يتم توفيق أوضاعها وفق قانون تسجيل الأحزاب السودانية، ولم يتم تكيفها كمنظمات مجتمع مدني حتى يتم تكييف أوضاعها وفق قانون منظمات المجتمع المدني ولم يتم تكييف أوضاعها كمنظومة أهلية تخضع للعرف السوداني، وقبل أن يؤول أمرها “للزبير” كانت تبحث عن دور سياسي يتناسب مع اسم الحركة، وهذا جعلها تصطدم مع المؤتمر الوطني، وأصبحت واحدة من أدوات الصراع بين مراكز القوة داخل المنظومة الحاكمة تستنهض وتستنفر لتغليب كفة الموازنات، وأحياناً تكون خارج دائرة الصراع فتصبح اشبه بالجمعية الخيرية وظهر ذلك جلياً أيام تولي الزبير لقيادتها الذي أطلق مشروع (الهجرة لله)، وتساءل هل مشروع الهجرة إلى الله معني بتزكية العضوية وتربيتها وتزكية أخلاقها أم هجرة عن السياسة أشبه ما يكون بفصل الدين عن الدولة، ونشرت الصحف حديثاً للأمين العام للحركة “الزبير” هذا الأسبوع بهذا المعنى قال في متنه إن الحركة تقوم بأعمال الدعوة والاستقطاب داخل المساجد ووسط الطلاب، لكن هناك قصوراً في الاستيعاب داخل صفوف الحركة بعد الاستقطاب، مما حدا بالحركة تصميم وتنفيذ مشروعات الهجرة لله لسد هذه الثغرة.
“تاج الدين” أشار إلى أن الكيان يستعد لعقد مؤتمره في ظل إرهاصات تتنبأ بمستقبل الحركة فهل تظل كيانا خاصا معني بالتزكية الروحية ولا شأن لها بالسياسة وتتركها للمؤتمر الوطني لممارسة السياسة دون قيم الحركة والتزكية الروحية أم تندمج داخل المؤتمر الوطني أم يتم حلها وتصبح أثراً بعد عين؟، فصراع التيارات الناشب داخل المؤتمر الوطني سيقودها إلى واحد من الخيارات الثلاثة آنفا .
خارج الهامش السياسي
القيادي بحركة الإصلاح الآن “أسامة توفيق” قال إن ما يُسمى بالحركة الإسلامية لا تأثير لها لأنها خارج الهامش السياسي، مثلها مثل أي جمعية طوعية وغير فاعلة في العمل السياسي، مشبهاً إياها بجمعيات العمل الطوعي ومجالس الأحياء وقال لـ(المجهر) الحركة أصبحت مكاناً لأكل عيش للذين يتم إخراجهم من الحكومة والمؤتمر الوطني، وفرصة لتنفيس غضب الناقمين وحل مشاكلهم، وأن تنعقد أو تحل لا يحدث فرق، فهي تنازلت عن دورها وأصبح المؤتمر الوطني الواجهة السياسية للحركة الإسلامية، بالرغم من أنها أتت بالمؤتمر الوطني، لكن ارتضت أن تكون مخزناً للفاقد السياسي.
رغم هذه الآراء والانتقادات تستعد الحركة لهذا المؤتمر، وربما يخرج فيه أعضاؤها الهواء الساخن الذي قد يخرج بها إلى بر الأمان أو تبقى كلافتة وذكرى عطرة.