أخبار

من أين أتى هؤلاء؟

{ قبل ثلاثة وعشرين عاماً كتب الراحل “الطيب صالح” في مجلة (المجلة) السعودية عن انقلاب 30 يونيو 1989 مقالاً تحت عنوان: من أين أتى هؤلاء؟، ويعني الضباط الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم بالدبابات، وظل “الطيب صالح” معارضاً للإنقاذ حتى رحيله بثلاثة أعوام، حينما مد “الطيب إبراهيم محمد خير” وزير الإعلام والثقافة أواصر الود والكلم الطيب فعاد الأديب العالمي لبلاده غير معتذراً عما كتب بالأمس ولا خائفاً من تبعات ما قال، وتغزل “الطيب صالح” في سد مروي ومنح شهادة في حق الوزير “أسامة عبد الله” مع أن “الطيب صالح” ضنين بالشهادة لصالح الآخرين.
{ من أين أتى هؤلاء؟ سؤال يتجدد كل لحظة وحين ولكن خارج السياق التاريخي للسؤال، فالرجال الذين تساءل الدكتور اللواء “محمود قلندر” في صحيفة القوات المسلحة هل هؤلاء الرجال جبهة؟ ورد عليه الراحل “محمد الحسن أحمد” في صحف المنفى بمقالة شهيرة ومن تكون الجبهة غير هؤلاء؟ سارت سفينتهم وحينما داعبت أنفاسها الرابع من رمضان قال “البشير” وهو يرتدي عباءة عسكرية أنا أخو مسلم منذ الثانوي العام، وقال آخرون مثلما قال، فتفشى الخبر وعمَّ الحضر، ولكن بروز تيارات متطرفة في الساحة وتمرد أستاذ جامعي في حظيرة الدندر (دفعنا) للسؤال بالصيغة القديمة من أين أتى متطرفو الدندر وولاية سنار؟
{ وكيف ستواجه الحكومة من كانوا بالأمس تحت بصرها يقاتلون نيابة عنها ويذودون بما يملكون عن المشروع الإسلامي، وقد فتحت الحكومة برضائها وطوعها أحضانها لبعض الجماعات المتطرفة.. مثل جماعة (الخليفي) التكفيرية التي استهدفت المصلين بمسجد الحارة الأولى أم درمان، ثم جماعة (العباس) التي قتلت المصلين بمسجد الجرافة، وحينما ضرب انقسام الرابع من رمضان صف الحركة الإسلامية اتخذت الجماعة التكفيرية من حضن الوطني ملاذاً لتصويب مدفعيتها إلى الدكتور “حسن الترابي” ولكنها أي الجماعات التكفيرية تضمر شراً للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، بيد أنها تؤمن (بفقه المرحلة) وتسعى لتمكين نفسها” وكان بعض قادة تلك الجماعات المتطرفة يمني نفسه بعقد تحالف (إستراتيجي) مع المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية على غرار تحالف السلفيين في السعودية مع آل سعود.. ذلك التحالف الذي جعل الملك بيد آل سعود ويحظى بالدعم والمساندة من قبل السلفيين مقابل (استفراد) السلفيين بالمجتمع لتربيته وفق معتقداتهم، ولكن الواقع في السودان يتجاوز مثل هذه التحالفات ووعي قيادة الحركة الإسلامية بخطورة الإقدام على تلك الخطوة دفعت التيارات السلفية والتكفيرية الإقصائية إلى التفكير في مواجهة النظام والتدبير لإسقاطه في المستقبل مع مداهنته والتقرب إليه ومظاهرة الولاء الزائف له حتى أخذت تتكشف نوايا التيارات التكفيرية وثمة شواهد وأدلة على خطط تلك الجماعات الشريرة.
{ ما يحدث في سنار ومحمية الدندر منذ يومي (الأحد والاثنين) الماضيين يُعد تطوراً مهماً لا ينبغي النظر إليه بمعزل عن موقف الجماعات التكفيرية الأخرى التي تأكل وتشرب وتنمو وتتكاثر بالقرب من أحضان الحركة الإسلامية، ولكنها تضمر الشر والغدر وتسعى لوراثة النظام الحالي بجملة وسائل من بينها المحاولات الانقلابية كالتي أقدم عليها بعض ممن خرجوا من رحم الحركة الإسلامية لكنهم انقلبوا عليها في لحظة غياب ضمير ووازع أخلاقي!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية