أخبار

دروس غربية

درس آخر من الغرب الذي يتم وصفه هنا في الشرق بالغرب.. الكافر.. الظالم.. القاهر.. الفاجر إلى آخر النعوت والأوصاف التي ترتد إلينا نحن في الشرق قبل أن تبلغ الغرب.. جاءت انتخابات الكونغرس الجديدة بامرأة من أصول صومالية تدعى “أيلهان عمر” تتزين بحجاب جميل ووجه طفولي وثقة في النفس، تتحدث بلا (عُقد) اجتماعية.. انطلقت من قلب المهاجرين من أصقاع الدنيا لتقدم نفسها للناخب الأمريكي، الذي لم ينظر لبطاقة انتمائها تاريخياً وحضارياً لأمة مقهورة هي أمة الأمجاد والماضي العريق، ولم يفحص جينات تكوينها ولا عقيدتها.. لكنه استمع بقلبه لما تطرحه من برنامج جعل الناخبين في ولاية منيسوتا بأقصى شمال الولايات المتحدة الأمريكية يصوتون لها.. ويحملونها على أكتافهم غير عابئين بلون بشرتها ولا عقيدتها لتمثلهم في أكبر مؤسسة سياسية وتشريعية في أكبر دولة في العالم.
نحن هنا (قاعدين) ننظر فقط بطاقة انتماء “أيلهان عمر” للدين الإسلامي، وأخذنا حمية العصبية للحديث عن فوز الصومالية كفتح إسلامي جديد (يداري) شيئاً من خيباتنا ويمنحنا إحساساً كاذباً يتسرب لنفوسنا بأننا قادمون للولايات المتحدة شيطان الشر والجحيم الذي نهفو إليه مسرعين طامحين في الانتماء إليه كمهاجرين .. ونبغضه في ذات الوقت ونلعنه في خطبنا ومساجدنا.. ومجالسنا التي تعبر عن خيباتنا وفشلنا كأمة مقهورة وشعوب ضائعة في متاهات الدكتاتوريات وحكم الأسر والمشيخات، وتغيب عنا شموس الحضارة والإنسانية وقيم الديمقراطية التي ترفع من شأن الإنسان الفرد.
ودروس الولايات المتحدة والمجتمع الغربي المجانية لا تستوعبها عقولنا المحشوة بكل أسباب التخلف.. حينما كذب الرئيس الأمريكي “كلينتون” وأنكر علاقته العاطفية والجنسية بمتدربة في الكونغرس الأمريكي، لم نجد نحن هنا في الشرق (نعتاً) مناسباً لمقاس الرئيس المحاصر بالديمقراطية وقيم المحاسبة وسيادة حكم القانون غير وصفه بالرئيس (الداعر)، وما كان ذلك هو المقصد، ولم نفهم نحن هنا بأن القضية الجوهرية هي إنكار الرئيس لواقعة والكذب الذي يعتبر جناية كبيرة وسبباً لخلع السلطة عن أي مسؤول، أما نحن هنا نكذب على أنفسنا ونكذب على شعوبنا ونخدع ونسرق ونقتل وندعي الطهر والنقاء، وفي يوم (الخميس) الماضي حدثنا الجنرال “الهادي آدم حامد” ونحن نصغي إليه بمكتب مستشار رئيس البرلمان “عبد الماجد هارون” بزهو وثقة بأنهم في البرلمان استحدثوا تعديلاً في قانون الجنسية السودانية يضع قيوداً من جديد.. على منح الجنسية.. حتى لا ينالها من لا يستحقها، ويشير الجنرال إلى الجنوبيين وضرورة التشدد في منحهم الجنسية السودانية.. في هذا الوقت كانت الصحف التي أمامه تكتب عن امرأة ولدت في العاصمة الصومالية مقديشو عام 1981 ونشأت في مدينة بيداو غرب الصومال، وفي عام 1991 بعد اندلاع حرب الصومال خرجت مع عائلتها لتعيش في كينيا بمعسكرات اللاجئين، وفي عام 1995 هاجرت مع أسرتها لأمريكا الجحيم والفردوس على قول اليساري المصري “عادل حمودة”، وتنال في عام 2018 حق تمثيل الولايات المتحدة في الكونغرس.. ونحن هنا.. مغرمون جهلاً وانحطاطاً بتصنيف المواطنين.. هذا جده تركي وتمتد جذوره إلى أنقرا.. وذاك حبشي من أمه، أما علان فهو (حلبي) منسوباً لمدينة حلب.. وتلك أصولها من نيجيريا.. وكأن السودان نسيج وحده.. وهؤلاء بالطبع لا ينظرون إلى الفارين من جحيمه في رحلة اللا عودة لأرض الله الواسعة.. فمتى نتعلم من الدروس المجانية أم إننا لا نتعلم؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية