أصدِّق "باقان" وأكذِّبكم!!
{ ظللت أؤمن وأدعو بشدة إلى ضرورة الاتفاق والتعاون مع دولة (جنوب السودان)، رغم رأيي الثابت في منهج وسلوك (الحركة الشعبية) العدائي والغوغائي قبل وبعد الانفصال، وليس هناك أي (تغيير) طرأ على موقفي هذا ولأشهر متطاولة، ولكن ما التبس على الأخ العزيز الأستاذ “عادل الباز”، فدفعه إلى امتداح ما كتبته من شكر وتقدير لزيارة “باقان أموم” للخرطوم، معتبراً أنه إشارة لتراجع (المتطرفين) لصالح (تيار السلام)، هو أنني ما زلت أقف رافضاً بشدة للتفاوض مع متمردي (قطاع الشمال) على أساس الاتفاق الإطاري (نافع – عقار).
{ في رأيي، أن هناك فرقاً كبيراً بين التفاوض مع دولة (جارة) كانت تمثل جزءاً من الوطن (المنقسم)، بهدف تحقيق الاستقرار والرفاهية للشعبين على أساس (المصالح المشتركة) وهدى (البراغماتية) التي صارت تحكم العالم أجمع، وبين (حسم) مجموعات داخلية (متمردة)، اتخذت من رفع السلاح وسيلة لفرض أجندات (عنصرية) و(جهوية) و(ذاتية) محددة. وعملية (الحسم) هذي تحتاج، سواء في دارفور أو جنوب كردفان، إلى فرض هيبة الدولة وسطوة قواتها المسلحة، وتحتاج في ذات الوقت إلى فتح (كوة) للحوار بحيث تكون يد الدولة (المركزية) هي العليا – دائماً – ويد المتمردين هي السفلى. وهذا ما يحدث في “يوغندا” مع (جيش الرب)، وفي “أسبانيا” مع متمردي منظمة “إيتا” الانفصالية في إقليم الباسك، وفي إثيوبيا وإريتريا مع تنظيمات المعارضة (الإسلامية) السياسية والمسلحة، أو كما كان حال الجيش الجمهوري الإيرلندي المتمرد على سلطة التاج البريطاني.
{ نحن مع الحوار والاتفاق مع “سلفاكير” و”باقان” و”دينق ألور”، مقابل الشدة والحسم والحزم في مواجهة أي (حركة تمرد) في أي من أطراف السودان، تدفع البلاد إلى (نفق مظلم) نهايته مشروع (انفصالي) جديد. ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .. وكفانا (لدغة الجنوب).
{ ولهذا فإننا لا بد أن نرحب بزيارة “باقان أموم”، بل ونثني عليها، ونشيد بتصريحاته، ونشجعها، ونروج لها، ليتبيّن الرأي العام السوداني من هم الصادقون.. ومن الكذابون؟!
{ لقد خرج علينا – وكما توقعت تماماً في مقال أمس الأول – أحد المسؤولين من (جوقة أغبياء) السلطة، فانبرى مصرحاً للزميلة (الانتباهة) مؤكداً – دون ذكر اسمه – أن (باقان أموم كذاب)!! وأنه لم يتم الاتفاق على تمرير النفط خلال أسبوعين، وأن “باقان” إنما جاء ليتأكد من حقيقة مرض الرئيس ومدى صحته، وأثر (المحاولة الانقلابية) على استقرار الأمن في الخرطوم. الغريب أن المسؤول، الذي فضل حجب اسمه، أكد في حديثه أن “سلفاكير” وجه “باقان” بأن يكون مرناً ومتساهلاً، وقال له بالحرف الواحد: (كن مرناً في النقاش وقل أي حاجة وخلي الأمور تمشي، فوضعنا الاقتصادي صعب ويجب حل الأزمة قبل نهاية هذا العام)!!
{ إذن (جوقة أغبياء السلطة) أو المؤتمر الوطني، يظنون أن “باقان” لم يأت إلى “الخرطوم” إلاّ لأنهم (قالوا الرووب)!! وأن (روح حكومتهم قربت تمرق)!! وأنهم سيفعلون ما يؤمرون به من حكومة الخرطوم قبل ضخ النفط ومغادرة أو سفينة!!
{ إنه الغباء الذي جعلهم يخسرون (كل) المفاوضات في كل (الجبهات)، مع “أمريكا” في ملف الإرهاب، وفي ملف التطبيع، ومع الحركة الشعبية – نفسها – ابتداء من (مشاكوس غازي – سلفاكير)، مروراً بـ (نيفاشا “طه – قرنق”)، وانتهاء بأديس أبابا بكل جولاتها ومسمياتها.. وقبلها خسروا “أبوجا” و”أبشي” و”إنجمينا”.. و”طرابلس”, و”القاهرة” و”الدوحة” المتعثرة!!
{ ووكيل وزارة النفط الذي يفترض أنه (مسؤول) أمام الله والشعب عن توفير البترول، وتمريره، وتوريد عائداته في خزينة الشعب السوداني (الخاوية)، يتقعر في إجاباته، ويتبختر في إفاداته، وكأنه وكيل وزارة النفط السعودية، فيفتي بأن تمرير النفط رهين بتوفر الظروف المواتية وتنفيذ الترتيبات الأمنية!! تصريح أجوف وهزيل فضلت (المجهر) حجبه في إطار الرقابة الداخلية لمصلحة المواطن السوداني.
{ من هو “عوض عبد الفتاح” هذا.. ومن أين جاء؟! وهل يتبع لوزارة الدكتور “عوض الجاز” أم لوزارة الفريق “عبد الرحيم محمد حسين”؟!
{ ما شأنك أنت بالترتيبات الأمنية وما علاقتك بها؟!! أنت مسؤول – حسب ما نفهم ونعلم – عن اكتشاف وإنتاج وتصدير النفط (السوداني) أو (الجنوبي) – وفق الاتفاقية – ولا ينبغي لك أن تكون معنياً بشؤون وزارة الدفاع.. لكنه سودان الفوضى والمزايدات.. والادعاءات الكذوبة!!
{ ولأكون صادقاً معكم – سيداتي سادتي القراء المحترمين – فإنني أصدق – هذه المرة – “باقان أموم”، وأكذب حكومتنا.. أكذب وزير المالية “علي محمود” الذي وعدنا ووعدكم قبل أشهر بانخفاض سعر الدولار إلى (ثلاثة جنيهات)، فارتفع إلى (ستة)!!
{ أنا أصدق “باقان” وأكذب هذه (الجوقة) المتآمرة على شعبها، المخربة لاقتصاده، المراهنة على الأكاذيب، والوعود المثقوبة والمفخخة.
{ أنا لا أصدق وزير المالية الذي يؤكد للرئيس ونائبيه أن وزارته أوفت بالفصل الأول، والثاني، والثالث و… بينما موظفو وزارة التجارة لم يصرفوا مرتباتهم حتى نهاية يوم أمس (الثلاثاء) الرابع من ديسمبر!! ولا موظفو وزارة الصناعة.. صرفوا ولا… ولا… في عدد من الوزارات والمؤسسات والوحدات الحكومية.
{ أنا أصدق “باقان” وأكذب هؤلاء الذين يجلسون في “الخرطوم” ويحدثوننا عن اجتماعات “قطاع الشمال” في “فاريانق” بجنوب السودان!! فليجتمعوا كيفما شاءوا في كل بقعة.. وبلدة من دولة الجنوب.. ولتتصدوا لهم بجيوش أولها عند حدودنا في 1/1/1956 وآخرها في القيادة العامة بالخرطوم، كما فعل الخليفة “المعتصم” عند فتحه “عمورية” نجدة لامرأة صاحت (وا معتصماه)!!
{ إن مهمتكم ليست رصد اجتماعات متمردي (قطاع الشمال) و(الجبهة الثورية)، بل مهمتكم الأساسية ضربهم بـ (منجنيق) هذا الزمان.. وهزيمتهم في بطن كل (جبل)، وطردهم من كل سهل على امتداد الحدود.
{ إن من أوجب واجبات وكيل وزارة النفط أن يشرف بنفسه على تصدير أول شحنة من البترول خلال أسبوعين، تماماً كما قال “باقان أموم”، وإلاّ فإنه يكون من زمرة (المتآمرين) على وطنه وشعبه البائس الفقير.
{ شعب السودان يعاني أكثر مما يعاني شعب الجنوب، لكن طبقة (الرأسمالية) الحاكمة لا يهمها كم يكون سعر كيلو (الجبنة) أو رطل اللبن أو جركانة الزيت.. أو كيلو اللحم!!