الميثاق.. الميثاق
# نهضة المجتمعات الغربية على قيم أخلاقية أساسها.. الصدق.. والالتزام بالعقود والمواثيق.. والدستور كوثيقة حاكمة تعلو على نزوات الأفراد.. واستخدام القوة الباطشة القاهرة القامعة.. في فرنسا شكل العقد الاجتماعي ونظرية “جان جاك رسو” أساس النهضة الحضارية لبلد يفتخر ويباهي بثقافته كسلاح أقوى من ترسانة الروس، والحليف الأمريكي.. وقامت فلسفة الطليان بعد سنوات غيبوبة الدكتاتور “فرانكو” على منظومة تعاقدات أخلاقية في السياسة والاقتصاد.. بينما العالم الإسلامي شهد تراجعات كبيرة من سنوات الخلافة الباكرة والانتقالات في مسيرة النظام الإسلامي من معركة صفين إلى انتقال مركز الدولة من المدينة إلى دمشق.. وغروب شمس الدولة القريشية إلى بزوغ فجر الأموية.. وغيب المسلمون الحريات.. في أنظمتهم السلطانية الباطشة.. وساد الظلم مكان العدل.. وقهرت الشعوب وضعفت.. حتى جاءت سنوات ما بعد التحرر من الاستعمار الأجنبي.. لتجد الشعوب نفسها تحت وطأة استعمار داخلي بديل للاستعمار الخارجي.. سلب الحريات.. وقمع الرأي وجعل السجون مقاماً للعلماء.. والمشانق مصيراً للمتطلعين لقيادة الشعوب.. ولعبت الصحافة دوراً في تكريس الواقع بكل سوءاته.. وهي الضمير الذي تخلى عن مهمته.. والصحافة السودانية ليست استثناءً من واقع الإقليم.. والأمة والقارة.. والمكون الثقافي والحضاري.. ومنذ 1955م، تاريخ مخاض اللحظات الأولى للاستقلال ظلت الصحافة السودانية تبحث عن ذاتها.. تتبدل الأنظمة والحكومات وتتبدل معها الصحافة أسماء وتوجهات.
اليوم (الخميس) يطلق اتحاد الصحافيين مبادرة لإنقاذ الصحافة السودانية من مصير معلوم ينتظرها.. بالموت القهري والسكوت الإجباري.. بعد أن تجاوز الصحافة الورقية الزمن.. وتسللت صحف كبيرة في العالم من ساحة النشر إلى أرشيف ومتحف التاريخ.. اتحاد الصحافيين كد.. وتعب للبحث عن طوق نجاة للصحافة من مصادرات السلطان.. والتضييق على الكتاب بالإيقاف، والمؤسسات بالإفقار.. والمحاصرة الاقتصادية.. وذلك كثمرة لحالة الصدام بين السلطة والصحافة.. السلطة لتبقى تبحث عن السوس الذي ينخر في عصاتها.. وتتخذ من التدابير ما يحمي وجودها.. وتحسب السلطة أي صيحة ولو كانت كلمات حق من أجل الحق مهدداً لوجودها.. ومن غير وعي أو بوعي تصبح الصحافة مطية لحاملي السلاح.. والإرهابيين تتحدث باسمهم وتمجد أفعالهم.. وتبرر سلوكهم المشين.. وما بين هذا وذاك.. يحدث الاشتباك.. وتقع الخسائر.. هنا.. والخسائر هناك.. مع كل مصادرة لعشرة أو ثلاثة آلاف نسخة ورقية يطير نبأ المصادرة لأركان الدنيا.. ويتعرى النظام أخلاقياً ويخسر سياسياً.. ومع كل مصادرة تقترب الصحيفة من الموت.. وخلال اجتماعات (احتضنها) البرلمان وبمشاركة كل مكونات السلطة تم الاتفاق على أن يلتزم الصحافيون بميثاق شرف مهني وأخلاقي.. على أن تلتزم السلطة أخلاقياً بإيقاف المصادرات وإطلاق سراح الأقلام المحظورة.. أي فتح صفحة جديدة.. يتحمل الصحافيون مسؤولياتهم في التميز ما بين مصالح البلاد العليا.. ومصالح الصحافة في النشر والسبق الصحافي.. وما بين الأمنيات والمواثيق المكتوبة والآمال والرجاء في المستقبل يوقع قادة الصحافة على ميثاق شرف مهني.. فهل يلتزم دعاة التنوير وحملة المشاعل بما وقعوه؟؟ أم يبقى الميثاق حبراً وورقاً وتستمر حالة (المطاردة) بين الحبر والرصاص!