أخبار

(العفشين)!!

{ احتفت الخرطوم بقدوم السيد “فاقان أموم” كبير مفاوضي دولة جنوب السودان، وتمدد الأمل والرجاء في استقامة العلاقة بين دولتين من أقدار الله أن ترتبطا بثلاثة أواصر، مياه النيل والنفط ووشائج الدم وصلات القربى والأرحام.. وحينما تحتفي الخرطوم بـ”فاقان” فإنها تحتفي بأحد أبنائها، وإن بات أجنبياً بالقانون والأعراق، ولكنه سوداني بالثقافة والفكرة والهوى والعشق.
{ لم تحتف مدينة جوبا بالجنرال “عبد الرحيم محمد حسين” و”إدريس محمد عبد القادر” في اجتماعات اللجنة السياسية والأمنية التي انهارت قبل أسبوعين، وبلغت طريقاً مسدوداً حينما كانوا ضيوفاً على (جوبا)، ولكن سلوك الدولة (الناشئة) حديثة العهد لا يقارن بسلوك دولة تجاوز عمرها منذ الاستقلال حتى اليوم نصف القرن بست سنوات، ومثلما استقبلت الخرطوم “فاقان أموم” ينبغي لها وداعه.. بيد أن لحظات الوداع تستمد دفئها من النتائج التي يرجى لها أن تتحقق، فإذا انهارت المفاوضات أقبل المفاوضون من الطرفين على بعضهم يتشاجرون، ونتبعهم نحن الصحافيين إلا من رحم ربي وعصمه عن تبعية ما يقوله السادة السياسيون دون تروٍ وبصيرة.
{ المياه الدولية التي جرت بين جوبا والخرطوم أعادت سفينة العلاقات للإبحار مجدداً فوق مجرى اتفاق التعاون الذي تعثر تنفيذه، وبات أقرب للانهيار، وحينما (غاب) الوسيط “أمبيكي” من المشهد حضر المبعوث الأمريكي “ليمان”، الذي قال ما قال وراء الحوائط الصماء والأبواب المغلقة، ليتراجع “سلفا كير” رئيس دولة الجنوب عن حزمة إجراءات قال إنه سيتخذها غداة فشل استئناف ضخ البترول، مما يرجح تعرض جوبا لضغوط كثيفة حملتها على التعامل بواقعية مع الأمر، وهي ذات الضغوط التي انهالت على الخرطوم (ليفتح) الفريق “عبد الرحيم” خطوط التواصل بين “البشير” و”سلفا كير”.
{ ستنعقد لجان فنية ولجان وزارية لتنفيذ اتفاق التعاون، وربما يُستأنف ضخ النفط، وتنال الحكومتان شيئاً من دولارات البترول وتسري العافية في جسد اقتصاد الدولتين، ولكن (الحقيقة المريرة) التي يغمض الطرفان أعينهما عنها و(لا يصغيان) لحقائق الواقع، هي إذا لم (تحل) ثلاث قضايا تشكل أسباب النزاع الحالي بين الدولتين وتشكل أسباب النزاع المحتمل والمرتقب، فإن ما يجري من تفاوض لا يعدو كونه تفاوضاً عبثياً لا طائل منه، والقضايا الثلاث هي من المعلومات بالضرورة لأولي الأبصار إن كانوا يعقلون، وللتذكير فقط هي: النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والصراع في أبيي، وترسيم الحدود.. والأخيرة من القضايا التي يمكن تأجيلها وتجميدها و(ترحيلها) إلى التحكيم الدولي.. وترتبط قضايا النزاع في الولايتين بتمردات جنوبية في ولايات حدودية مع الشمال، لمتمردين يتغذون من الشمال مثلما يتغذى متمردو قطاع الشمال من الجنوب.
وإذا كان الجنوب حريصاً على صداقة مع الشمال، فليذهب باتجاه رفع الحرج عن صديقه ليقبل مبادرته ووساطته لتسوية أوضاع المتمردين عليه من أمثال (يارو ياور) وما أدراك ما الثوار في جونقلي، وبالقدر نفسه إذا كان الشمال حريصاً على رفع الحرج عن صديقه الجنوبي (فليقبل) وساطته، ويطفئ نيران حرب الكاتوشا، ويصبح كل العفش مسؤولية أصحابه داخل المركبتين الشمالية والجنوبية!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية