الوزير طيارة
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المولود الذي تمخص عن اتفاق (نيفاشا) وشراكة الوطني والحركة الشعبية التي تمددت شمالاً.. وأصبح لها وزير في كل ولاية حتى نهر النيل والشمالية أكثر الولايات خلواً من أتباع الحركة الشعبية.. في ذلك الوقت كان د. “فيصل حسن إبراهيم” والياً على شمال كردفان وطلب منه إفساح مقعد وزير الصحة للحركة الشعبية.. ود. “فيصل” شخصية عنيدة يصعب أن تملي عليه موقفاً غير مقتنع به.. رشحت له الحركة الشعبية (ممرضاً) بمستشفى الأبيض من خريجي المرحلة المتوسطة.. ود. “فيصل” من السياسيين القلائل الحافظين لسيرة القيادات في كل الأحزاب، ويحتفظ بأسرار وملفات المعارضين والموالين مستفيداً من خزانة د. “نافع علي نافع”، وهو أستاذ “فيصل” ومعلمه.. رفض د. “فيصل” تعيين الممرض وزيراً للصحة وتمسك بموقفه وأعلن زهده في تولي منصب الوالي إذا فرض عليه المركز تعيين شخص غير أهل للمنصب.. وانهالت عليه الضغوط من فوقه ومن تحته، وأخذ (التبريريون) يطالبونه بتعيين (الممرض) تم استغلال ذلك سياسياً للتشنيع بالحركة الإسلامية لكنه قال بصراحة: (أنا أقسمت على حسن إدارة الولاية ولن أحنث بقسمي) وأذعنت الحركة واستبدلت الممرض بالدكتور “عبد الحميد منعم منصور” وزيراً للصحة، وبقي في منصبه حتى انفضت الشراكة بنشوب الحرب في المنطقتين.
اليوم يبعث د. “فيصل حسن إبراهيم” مساعد الرئيس والمسؤول عن ملف التحالفات ومبتدر ترشيحات الوزراء والولاة والوزراء الولائيين باسم “عادل محجوب حسين” لوالي شمال دارفور “الشريف عباد” لتعيينه وزيراً للإنتاج والموارد الاقتصادية ممثلاً لحركة العدل والمساواة جناح “بخيت ديجو” الذي اختار أن يبقى بعيداً عن الجهاز التنفيذي وتمثل حركته في الولايات بقيادات منها، وهي حالة زهد نادرة مثل زهد الفريق “دانيال كودي” الذي اختار أن يبقى في منزله بالدروشاب ويترك لـ”تابيتا بطرس” و”عمر شيخ الدين” تمثيل الحركة الشعبية.
وأثار تعيين “عادل محجوب” الشهير بـ(عادل طيارة) لاختطافه طائرة الخطوط الجوية السودانية عام 1994 والهبوط بها في القاهرة موجة انتقادات، خاصة من قبل المعارضة التي احتفت بـ”عادل محجوب” حينما ارتكب جريمته الشنيعة وقدمته في ثياب البطل المقاوم بدكتاتورية “البشير”.. ومجدته ورفعته إلى مقام القيادات الوطنية العليا، ولكنها اليوم تثير غباراً كثيفاً عن دوافع تعيين “عادل محجوب” مختطف الطائرة في منصب الوزير.. وما وجه الشبه والمقارنة بين واقعة رفض د. “فيصل” لتعيين الممرض وزيراً للصحة في الأبيض وترشيحه لـ”عادل محجوب” ليمثل حزبه في حكومة الفاشر وهو خاطف طائرة معروف؟!
أولاً من حيث التأهيل والقدرات فإن “عادل محجوب” مستوفٍ لشروط التعيين وهو ضابط سابق في القوات النظامية وحاصل على شهادة جامعية تؤهله لتولي المنصب.. أما من جهة إدانته في قضية الاختطاف فقد حكمت عليه محكمة بالقاهرة بالسجن ومكث لمدة سنتين وأُفرج عنه وانضم لحركة العدل والمساواة وحصل على عفو من رئيس الجمهورية مثله وعشرات القادة الذين (قتلوا) ونهبوا وانتهكوا الأعراض والأعراف.. ويفضل العفو والصفح أصبحوا وزراء ونواب للرئيس ومساعدين وولاة، ووزراء دولة.. فهل حلال على كل هؤلاء وحرام على “عادل محجوب” وحده؟؟ وهل يملك والي شمال دارفور “الشريف محمد عباد” رفض تعيين شخص مؤهل للمنصب ولكن سيرته الذاتية يخدشها فعل مشين؟ ومن منا بغير ماضٍ حتى يصبح ذلك الماضي عائقاً يحول دون بناء المستقبل.. ولنا في سيرة الصحافة عبر ودروس لمن يقرأ التاريخ!