اليوم اختبار أول لحكومة “معتز” بتوفير السيولة عبر الصّرافات
هل يقود "علي عثمان" الحركة الإسلامية؟؟
حديث السبت – يوسف عبد المنان
في مفترق الطرق وقبل المؤتمر العام
اقتربت الحركة الإسلامية السودانية من عقد مؤتمرها العام الأسبوع الجاري لإجازة النظام الأساسي الجديد واختيار قيادة لدورة جديدة، بعد أن رفضت أغلبية قواعدها وقياداتها أطروحة ورؤية الحل والذوبان والاندماج في حزب المؤتمر الوطني الذي يمثل الذراع السياسية للحركة الإسلامية أو تمثل الحركة الجناح العقائدي في حزب يضم بين عضويته علمانيين ومسيحيين و(روحانيين) من عبدة الأديان المحلية مثل (الكجرة) وهي جمع (كجور) كما في جبال النوبة مثلاً.. وجاء مؤتمر الحركة الإسلامية في ظروف شديدة الوطأة على حكومة الحركة التي يقودها أحد أبنائها بالأصالة “عمر البشير” والمؤتمر يدرأ عنها الجمود والتكلس، وهي لم تلغِ قديمها من مواريث البناء التنظيمي، بل تجديده وتطويره وتحسينه. وقال مؤسس الحركة الإسلامية الحديثة الراحل د.”حسن الترابي” في كتابه الحركة الإسلامية في السودان: الحركة تغلب على قيادتها الثقافة العقلية والعلمية والمنهجية التي تُعمِل العقل في فهم النصوص وتستقرئ واقع وطبيعة المجتمع والأشياء لتنزيل النصوص على الواقع بمنهج موحد، ولم يكن قادتها من أهل الثقافة التقليدية التي تقنع بنبش التراث عن وجوب كل مسألة مستجدة وتصدر الفتاوى بغير تفهم للأحكام لا تبين للواقع).
وخلال الأشهر الماضية عادت الحركة الإسلامية إلى القرى والفرقان والمدن البعيدة.. تبحث عن وقودها.. وقواعدها.. وتبعث في النفوس الأمل بأن الغد مشرق.. وتكوين تنظيم وكيان معنوي له شخصيته الاعتبارية المتميزة عن غيره من الأفراد والقوى الاجتماعية بحيث لا يتوقف وجوده ولا فاعليته على غيره من القوى.. وواجهت الحركة الإسلامية مصاعب ومشاق بعد محنة الانقسام التي ضربت صفوفها والمؤتمر الوطني في الرابع من رمضان.. وإثر ذلك صارت الحركة الإسلامية إلى جانحين كل يعارض الآخر.. وظلت غالبية قواعد الحركة الإسلامية مما يعرف بجيل التأسيس وقدامى المحاربين من الشيوخ بالقرب من مؤسسها المفكر د.”حسن الترابي” حتى رحيله الذي أصاب الساحة السودانية بالجدب والجفاف بفقدانها لعالم ومفكر.. ولكن تبقى المبادئ الثابتة هي الأصل الذي يجمع الناس من المواقف العابرة.. أي بين الجوهر والعرض، والإستراتيجي والتكتيكي.
وكان حرياً بالحركة الإسلامية أن تنتقل قياداتها إلى الصف الذي يلي الراحل “الترابي” من حيث (التراتبية) الكسبية.. وأقرب القيادات إلى تولي القيادة في ذلك الوقت الشيخ “علي عثمان محمد طه” الذي استثمرت فيه الحركة الإسلامية واستثمر فيه المؤتمر الوطني.. حتى سجل موقفه التاريخي بالتنحي عن منصب النائب الأول لصالح غريم فكري ومنافس سياسي وعدو سابق قاتل الفكرة والمشروع بسنان السلاح.. وقدر الله أن يفنى الرجل ويهلك أو يموت أو يستشهد ولكل حالة مقابلة لها طبقاً للضفة التي يقف عندها المرء المكلف بالوصف.
{ الضغوط الداخلية والخارجية
تعرضت الحركة الإسلامية خلال السنوات الماضية لضغوط كثيفة وتتالت محاولات البلدان الخليجية لإقصائها من الساحة وفك الارتباط العضوي بين الحكومة والإسلاميين.. وظن بعض قادة الخليج، وبعض الظن سذاجة وسوء تقدير وجهل، أن الرئيس “عمر البشير” إذا وجد الداعم المادي إقليمياً ودولياً يستطيع التضحية بالحركة الإسلامية.. والقذف بها توجهاً وسياسات وشخوصاً في لجة اليابسة كما تخلى عنها الرئيس “جعفر نميري” في أخريات أيامه.. وحينما تحدث الرئيس في المؤتمر الأخير لشورى المؤتمر الوطني عن المغريات التي بذلت بين يديه لحل مشكلات اقتصادية من نقص السيولة وشحها.. وندرة الوقود والخبز مقابل (التخلي) عن بعض السياسات، فالإشارة هنا دون الإفصاح كانت واضحة لكل صاحب بصيرة وألقى السمع وهو شهيد (الحركة الإسلامية هي الهدف) الذي خططت مشيخات الخليج لوأده.. وفي سنوات مضت أغرى بعض رسل “البشير” إلى دول الخليج بإمكانية حدوث ذلك.. لكن الرئيس الذي وقف بعد الانقسام الشهير، وعلى الملأ تحدث عن انتمائه لجماعة الحركة الإسلامية وهو طالب بالخرطوم الثانوية، ولم يأبه كثيراً بحسابات الربح والخسارة حينذاك بعد أن خدع البعض بأن العسكر في السودان قد قذفوا بالإسلاميين خارج مركب وسفينة الحكم.. ولم ينظر هؤلاء (الفرحون) للنصف الآخر من الكوب وشخصية مثل “علي عثمان محمد طه” وقيادي في قامة “نافع علي نافع” وبروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” و”مصطفى عثمان” و”صلاح قوش” ود.”عوض الجاز” يقودون الدولة.. وجاءت أيام التطبيع مع الخليج، وبعث الرئيس بمدير مكتبه “طه عثمان” للرياض وأبو ظبي.. وذهبت القوات المقاتلة إلى اليمن للدفاع عن أمن المملكة العربية السعودية ولتأسيس قوة ردع عربية إسلامية لمجابهة مخاطر الشيعة.. والدول العربية وخاصة الخليجية نظرت للسودان بعين الحذر والخوف والطمع.. وظنت أنها قادرة على إغراء “البشير” للتخلي عن الإسلاميين!! وجاءت ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.. وصمدت الحركة الإسلامية ولم ترم المنديل.. وتبدِّل مواقفها.. وحينما طرحت أسئلة عن مستقبل الحركة الإسلامية ما بين الموت في أحضان المؤتمر الوطني والوقوف على أقدامها، اختارت أن تبقى جزءاً من منظومة الحكم.. ورافداً له.. ومغذياً لشرايين السلطة.. ومنافحة عنها ساعة الحِمى.. والترقب عند المغانم والتضحية يوم العزائم!!
وفي مناخ يشوبه الكثير من الخوف من المستقبل في ظل أوضاع اقتصادية انتقالية وأوضاع سياسية هشة تعقد الحركة مؤتمرها لاختيار أمينها العام، ولكن قبل الخوض في تفاصيل خيارات الحركة الإسلامية ثم سؤال ماذا تريد الحركة الإسلامية من الأمين العام الجديد؟؟ هل تريد أميناً عاماً يجعلها خافتة الصوت تمشي على استحياء في الطرقات وتنشط موسمياً في الأعياد وشهر رمضان وتقيم برامج مثل “برنامج الهجرة إلى الله” الذي نفذته الحركة السنوات الماضية؟ أم تريد الحركة لنفسها دوراً في الساحة الفكرية والاجتماعية وإسناد ظهر المؤتمر الوطني في الانتخابات وهي انتخابات يخوضها المؤتمر الوطني في ظروف بالغة التعقيد والدقة؟؟
{ ما بين “علي عثمان” و”عبيد”
حتى الأسبوع الماضي تداولت أوساط الإسلاميين اسمي اثنين فقط من القيادات مرشحة لتولي منصب الأمين العام، ولكل منهما امتيازاته.. وقدراته ودلالات انتخابه والدور المنتظر منه.. أول الأسماء الدكتور “كمال عبيد” مدير جامعة أفريقيا العالمية ووزير الإعلام السابق وهو شخصية لها أبعاد فكرية واجتهادات كبيرة.. وقارئ نهم.. ارتبط بعلاقات مع التيارات الإسلامية في الوطن العربي بصفة خاصة.. وحينما كان وزيراً في الحكومة اشتهر بصلابة عوده وأصوليته.. وأسندت إليه يوماً مهام التفاوض مع متمردي المنطقتين، إلا أنه فشل في تلك المهمة ولم يتسع صدره إلى مزايدات المتمردين وشكلت تصريحاته عن الجنوبيين وأن الشمال غير مستعد لمنح الجنوبيين حقنة واحدة إذا اختاروا الانفصال، فأطلق عليه الشيوعيون (كمال حقنة)، شكلت هذه المواقف من الجنوبيين عائقاً للتفاهم مع أهل المنطقتين خاصة المتمردون منهم وهم أقرب، أي المتمردين، للجنوبيين من الشمال.. وانتخاب د.”كمال عبيد” أميناً عاماً للحركة الإسلامية يعني استدامة أوضاع الحركة الإسلامية الحالية من حيث الوظيفة والاختصاص.. ومحدودية المهام.. وهي صورة لبقاء شكلي فقط.
أما المرشح الثاني، فهو الأستاذ “علي عثمان محمد طه” بكل ثقله السياسي ودوره الحاسم في منعجرات الإنقاذ وانتقالاتها الصغرى والكبرى.. ورمزيته باعتباره الأمين العام للجبهة الإسلامية القومية 1985 – 1989م، وهو الشخصية الثانية بعد “الترابي” تأثيراً على الساحة السياسية والتزاماً بفكر الحركة ومعرفة دقيقة بقادتها وقواعدها.. و”علي عثمان” شخصية نظيفة سياسية لم تلوَّث يداه بفساد مالي من مايو وحتى الإنقاذ.. وغسل لسانه عن الزلل والتسفل في الحديث.. ولعب “علي عثمان” دوراً حاسماً في اختيار الرئيس “البشير” مرشحاً لحزب المؤتمر الوطني في انتخابات 2020م، وهو مؤمن بضرورة التوافق بين مكونات الدولة المدنية والعسكرية على صيغة تجمع بينهما لإدارة شأن البلاد في المرحلة القادمة، ويبحث “علي عثمان” في اجتهاداته عن نظرية تجعل للمؤسسات العسكرية دوراً في السياسة وللحزب دوراً في إسناد العسكريين.. ولا يخفي “علي عثمان” في أحاديثه الخاصة إعجابه بتجربة تحالف قوى الشعب العاملة، النظرية التي وضع أساسها المفكر “جعفر محمد علي بخيت” وتم تطبيقها في سنوات مايو، ولكنه يعدّ تطوير تلك النظرية في واقع تعددي وأحزاب تتنافس من أجل الظفر بمقاعد البرلمان، يعدّه ضرورة.. كما أن “علي عثمان” من أكثر قيادات الحركة الإسلامية التي تحظى بثقة العسكريين وتقديرهم.. وفي ذات الوقت هو خطيب له قدرات ساحرة في جذب المستمعين وشجاعة في طرح رؤيته، وفي المرحلة القادمة ثمة حاجة لحركة إسلامية تقودها شخصية لها نفوذها الكبير حتى تشكل قاعدة إسناد حقيقية للمؤتمر الوطني، ويشكل الإسلاميون المخزون الإستراتيجي الذي لا ينضب في دعم “البشير”.. وحتى يضمن المؤتمر الوطني أصوات الإسلاميين أولاً فإن وجود أمين عام في قامة “علي عثمان محمد” وقدراته ونفوذه ومؤهلاته الأخرى يمثل ضرورة إذا كانت الحركة الإسلامية تنشد لنفسها دوراً مؤثراً في الساحة في مقبل الأيام!!
{ السيولة وصلت
في الأسبوع الماضي أعلن رئيس الوزراء “معتز موسى” عن وصول الأوراق المالية الجديدة نهاية الأسبوع- أي (الخميس) الماضي- وهي الأوراق المالية الجديدة التي طبعت في ألمانيا من الفئات الحالية (2- 5- 10 – 20 – 50) جنيهاً، ومن قبل أعلن بنك السودان عن طرح فئات جديدة من العملات (100) و(200) جنيه، ولكن بالطبع لن ترى مثل هذه الفئات النور وتصل لأيدي المواطنين قبل الترويج لها في كل وسائل الإعلام والأسواق لتعريف المواطنين بها.. ويوم (الخميس) الماضي قال “معتز موسى” في تغريدة له بالموقع الأشهر عالمياً (تويتر) إن بنك السودان سيبدأ من اليوم (السبت) تغذية الصّرافات بالأموال، وهي دعوة صريحة من رئيس الوزراء للمواطنين للإقبال بأعداد كبيرة نحو الصّرافات لإشباع جيوبهم بالمال بعد أن حُرموا منه لأشهر عديدة.. و”معتز موسى” هو أول مسؤول حكومي عصري يخاطب مواطنيه يومياً من خلال تغريدات مثله ووزراء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.. ولكن السؤال لماذا لجأت الدولة للإعلان عن وصول طبعات الأوراق المالية من خارج البلاد؟؟ وهل يتأثر السوق سلباً بمثل هذا الإعلان الذي يعني اعترافاً جهيراً بأن التضخم في الاقتصاد ستزيد نسبته في الأشهر القادمة، وأن الأسعار ستتصاعد من جديد بعد إعلان الحكومة الأسعار الجديدة للدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني؟ وفي ذات الوقت فإن وصول الأوراق المالية من ألمانيا خطوة إيجابية لإنقاذ موسم السمسم من التلف، حيث بدأت عمليات الحصاد الأسبوع الماضي والمزارعون يواجهون نقصاً في المال وشحاً في الأيدي العاملة وارتفاعاً جنونياً في أسعار حصاد الفدان الواحد من السلم.
إن ثمرات سياسات رئيس مجلس الوزراء قد أخذت تتساقط وتجني البلاد منها على الأقل الاستقرار النسبي في سوق المال، ولكن هل سيجد المواطنون فعلياً- اليوم (السبت)- الصّرافات تفيض بالأوراق المالية؟ أم يعودون بخفي حنين؟ وقد أصبحت الصّرافات في الأشهر الأخيرة محل تندر وسخرية المواطنين المتطلعين فقط لبضعة جنيهات لشراء الكهرباء والرغيف والفول والعدس.