الإلحاد.. حرب الحكومة الجديدة
الخرطوم: أم زين آدم
منتصف صيف العام الماضي، تقدم الطالب “محمد صالح الدسوقي عبد الباقي”، بعريضة لمحكمة أم درمان جنوب، للحصول على إشهاد شرعي، يمكنه من تغيير ديانته في البطاقة الشخصية من مسلم إلى لا ديني، رفض الطلب بحجة أن البت فيه خارج نطاق المحكمة، أحد المحامين أصالة عن نفسه رفع دعوى ضد “محمد صالح” بتهمة الردة، بيد أن القصة انتهت إلى أن “محمد صالح” غير مستقر نفسياً.
يذكر أن قصص إعلان الإلحاد، خرجت إلى العلن خلال العقد الأخير، عبر عدة مواقع على شبكة التواصل الاجتماعي، أبرزها موقعي (سودانيون ملحدون)، و(سودانيون لا دينيون)، والأخير تم إغلاقه، وأبرز قصص الإلحاد، تلك التي أعلنتها الشابة “نهلة الجعلي” بالعاصمة البريطانية لندن، اختلط فيها الشخصي بالعام والسياسي، إذ كانت تعيش “نهلة” حياة عادية في الخرطوم، وغادرت إلى لندن ضمن وفد للمشاركة في ورشة عمل، بيد أنها أثارت جلبة كثيرة قبل أن تطوي قصتها، ورجح مراقبون أنها ترغب في الحصول على فرصة للجوء السياسي ببريطانيا،
الأسبوع الماضي، نقلت الصحف، أن أمانة تزكية المجتمع بحزب المؤتمر الوطني، نظمت منتدى فكرياً حول ازدياد ما أطلق عليه الانحراف الفكري وسط الشباب، كشف رئيس المجلس الأعلى للدعوة “جابر عويشة” خلال حديثه في المنتدى، تفاصيل دراسة أجريت في هذا الموضع داخل (11) جامعة بالخرطوم، توصلت إلى ازدياد الانحراف الديني والفكري وسط الشباب، وأوضح أن المجلس من بين (1200) شاب ناقشهم أفلح في استرداد (928) من حالة ما اسماه بالانحراف الديني إلى الدين القويم، وفي ذات المنبر جزمت الباحثة د. “نوال مصطفى” أن الانحراف الفكري منتشر وسط أبناء قيادات الصف الأول من الإسلاميين، وإن كثيراً من الأبناء طشوا وعادوا، وآخرين طشوا ولم يعودوا.
فيما ارجعت رئيس لجنة التربية والتعليم بالمجلس الوطني “انتصار أبو ناجمة” إلحاد أبناء الإسلاميين إلى الحماية والحُرية الزائدة من قبل الأسر، يرى مسؤول الإعلام بحزب الإخوان المسلمين، “أمية يوسف أبو فداية” في حديثه مع (المجهر) أن ضعف الرقابة الأسرية، وضعف التواصل الأسري أدى إلى تفشي الإلحاد، بحيث صار الطفل أو الشاب في حالة تواصل مع محيطه الخارجي أكثر من الأسرة، والأمر الآخر الحركة الإسلامية خاصة الجناح الحاكم، وانشغالها بحراسة النظام، بدلاً عن انشغالها بحراسة الفكرة والمشروع وقيادة المجتمع، وسقط كثير من القيادات في دورهم القيادي كقدوة بسبب سقوط تجربة الحُكم والنزاهة والأخلاق، لذا نجد حسب إفادة “أمية” كثير من أبناء المسؤولين غير فاعلين في مستوى الطلاب والشباب في الحزب والحركة أو أي مستوى اجتماعي، وأشار “أمية” إلى ضعف مناهج التعليم وبيئة التعليم ككل، وقال هي الاسوأ في العالم، بالإضافة إلى الغزو الإعلامي الفضائي أو عبر الانترنت، وضعف البدائل، مقارنة بالإعلام السوداني الحكومي أو الخاص، وكلاهما غير جاذب، واحد أهم أسباب انحراف الشباب حسب ما عدد “أمية” محاربة الإسلام الوسطي المعتدل والمنظم بواسطة أنظمة إقليمية بكل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة مما أورث الشباب حالتين أما تطرف أو إلحاد وكفر وتفسخ وانحلال، يملآن ذلك الفراغ العريض.
للتواصل مع هؤلاء الشباب، اقترح الداعية “عصام أحمد البشير” مخاطبة الشباب بلسان العصر، ولو اضطر الدعاة لإرتداء الـ(تي ـــ شيرت) والبنطلون، واقر أن الإسلاميين عظموا الدولة على حساب
المجتمع.
المفارقة المتحدث عنها أن تنتشر وتزداد حالات الإلحاد في ظل دولة المشروع الحضاري والشريعة، الداعية “محمد علي الجزولي” ارجع ذلك إلى التسلط السياسي والفساد المالي، وقال إن ذلك أوجد قطيعة نفسية بين الدين كفاعل في العمل السياسي وبين الشباب.
الشاهد أن الإلحاد بمعنى الردة في القانون لم يشتبك مع السُلطة إلا في حالة رئيس (الحزب الجمهوري) المهندس “محمود محمد طه”، الذي أعدم في سنوات حكم الرئيس الراحل “جعفر محمد نميري”، وكانت محكمة شرعية في أواخر ستينيات القرن الماضي أثارت القضية ضد “محمود محمد طه”، بالرغم من خلو القانون وقتذاك من مادة قانونية تخضعه للمحاكمة، وبعد إعلان التقاضي بقوانين الشريعة الإسلامية في العام 1983التي اشتهرت بقوانين سبتمبر، أعيدت محاكمة “محمود محمد طه”، بموجب المادة (93) من قانون العقوبات والمتعلقة بإثارة الحرب ضد الدولة، ونفذ فيه حُكم الإعدام بموجب الحُكم الصادر من محكمة العدالة الناجزة في نوفمير من ذات العام.
الإلحاد في القانون السوداني الجنائي للعام 1991 بات جريمة يعاقب عليها القانون بموجب نص المادة (126) يعد مرتكب جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج عن ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة، وقف المادة يستتاب من يرتكب جريمة الردة ويمهل مدة تقررها المحكمة فإذا أصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالإسلام يعاقب بالإعدام، وتسقط عنه حال عاد المرتد قبل تنفيذ العقوبة، المحاكم في الخرطوم طوال حكم الإنقاذ في كل أحوالها السياسية، لم تشهد حالة من الشد والجذب مثلما شهدته في شهر مايو العام 2014 بما عرف بقضية “مريم يحيى”، التي ادعى عليها إخوانها بأنها ارتدت عن الإسلام وتزوجت من رجل يعتنق الديانة المسيحية، وحكم عليها ووفقاً للإدعاء بالإعدام، بين أن قضيتها أثارت جدلاً كثيفاً انتهت بمغادرتها وأسرتها الصغيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
مراكز الدراسات على مستوى العالم، أولت قضية الإلحاد اهتماماً بالغاً، وأوضح تحالف الإلحاد الدولي أن عدد أعضائه من المنطقة العربية زاد في أعقاب ما عرف بثورات الربيع العربي، وحسب دراسة أجراها منتدى بيوفوروم وهو مركز دراسات متخصص في الأديان والمعتقدات، على نحو عقد أوضحت الدراسة أن عدد الملحدين في العالم بات يصل الرقم الثالث بعد عدد الأشخاص الذين يعتنقون الديانة المسيحية ـ والدين الإسلامي ويقدر عددهم بنحو مليار ومائة مليون، فيما بلغ عدد الملحدين في المنطقة العربية مليوني ومائة ألف . وحسب الدراسات ليس هناك مدرسة واحدة للإلحاد بل هناك عدد من النظريات والمدارس الإلحادية أشهرها الوجودية.