الإنقاذ الرابعة
في مخاض السياسة الآن تتشكل في بلادنا حقبة جديدة ونسخة رابعة من الإنقاذ التي وصلت السلطة في 30 يونيو 1989م، ومضت سفينتها لا تبالي بالرياح والعواصف وعدم المبالاة نفسه صفة حميدة أم لا..تلك قصة أخرى.. لكن الإنقاذ بوجهها الأول مزيج من العسكرية والإسلامية المتخفية انتهت بعودة “الترابي” للسجن مكرهاً لا باختياره كما هو الحال في 30 يونيو 1989م، وأمسك الرئيس “البشير” وحده بمقاليد السلطة، وللأمانة والتاريخ حقق “البشير” في سنوات النسخة الثانية من الرابع من رمضان وحتى 2005م، حينما وقعت اتفاقية السلام إنجازات كبيرة على صعيد التنمية والرخاء الاقتصادي واستقرار الحكم رغم نشوب حرب دارفور وتصاعدها مدفوعة بآثار خلافات الرابع من رمضان.
وغربت شمس الإنقاذ الثانية بوصول “جون قرنق” للخرطوم ودخول الحركة الشعبية كشريك بعد إنجاز اتفاقية السلام التي أنهت حرب الجنوب وفتحت جروحاً أخرى في جسد الوطن.. لكن ثمرات اتفاقية السلام يصعب إحصاؤها، إلا أن دخول (20) مليار دولار كاستثمارات أجنبية في حقبة ما بعد اتفاقية السلام تقف كشاهد إثبات على أن اتفاقية السلام كانت إنجازاً لم تترك الحرب وفجيعة الانقسام سانحة لتقييمها، وبانفصال الجنوب ونشوب الحرب في المنطقتين انتهت النسخة الثالثة من الإنقاذ.. ورغم تغير وتبدل جغرافية الوطن رفضت الإنقاذ الاعتراف بالمتغير الجديد، وحاولت الحفاظ على صورتها القديمة بطلاء بعض الوجوه وإعادة تسويقها وتزيين شعارات (بالية) في ثياب خرقة لتنتهي هذه النسخة قبل نهاية العام الحالي، والآن تشهد الساحة ميلاد إنقاذ رابعة لم تتضح بعد ملامحها وألوانها.. وما التفاعلات التي تشهدها الساحة الآن إلا مقدمات للإنقاذ في نسختها الرابعة..التي حتماً يلعب “البشير” وحده فيها دور القائد والفاعل.. وقد شهدت أورقة ومفاصل الحركة الإسلامية تغييرات جاءت بشاب (الزبير أحمد الحسن) خليفة للشيخ “علي عثمان محمد طه” الذي ودع مقعده في قيادة الحركة الإسلامية بخطاب ثوري، ومعه ترجل من السفينة البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر”، وغيب الموت “أحمد علي الإمام” وربما نأى د. “غازي صلاح الدين” بنفسه عن الحزب والحركة والحكومة.. وباتت الأوضاع الآن بعد المحاولة الانقلابية التي تحدثت عنها الحكومة مؤخراً.. وهي محاولة المتهمون فيها جميعاً خرجوا من صف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني؛ الشيء الذي عزز اتجاه التغييرات المنتظرة من قبل الرئيس “البشير” في مقبل الأيام لميلاد إنقاذ جديدة.. ليتها طرحت برنامجاً انتقالياً يفضي لانتخابات عامة بعد أربع سنوات من الآن، حتى تعيد الأحزاب تنظيم نفسها و(يتواثق) السودانيون على عقد اجتماعي جديد ودستور متفق عليه ليتجاوز حقبة الصراع الحالية، ولن يطالب أحد الرئيس “البشير” بإشراك كل الأحزاب في الإنقاذ الجديدة، ولكن ثمة حاجة لوجوه جديدة وشخصيات قومية ومنح الإسلاميين والمؤتمر الوطني فرصة لترتيب بيوتهم وتجديد الثقة في أنفسهم لخوض الانتخابات القادمة.