شهادتي لله

مواجهة (الاحتقان) .. ليس في العمر بقيّة

{ لديَّ قناعة راسخة، ظللت أعبّر عنها خلال العامين الأخيرين كتابة وشفاهة، مفادها أن أي (تغيير) سيطال (تركيبة) النظام الحاكم – الآن – في السودان، سيكون من داخل (المؤتمر الوطني) و(الحركة الإسلامية)، ولن يكون للمعارضة (المدنية) أو (المسلحة) دورٌ ذو قيمة في أي محاولات حقيقية باتجاه التغيير.
{ لم يعد في جسم المعارضة (الحزبية) – لأسباب خاصة بها وأخرى متفرقة – طاقة كافية لقيادة (ثورة) مدنية كاسحة في مواجهة نظام جذوره ضاربة وساقه طويلة، وفروعه مديدة، ومتشابكة هنا وهناك.
{ وليس بمقدور الحركات المسلحة أو ما يسمى بـ (الجبهة الثورية) أن تسقط هذا النظام من “الخرطوم” أو عبر خطة إسقاط المدن باتجاه العاصمة، فمن شأن ذلك أن يعبئ شعب (الوسط) و(الشمال) و(الشرق) باتجاه عكسي مساند للحكم، مجدد لدمائه، ممدد لعمره، كما حدث في (هبة هلجيج) الشعبية التلقائية.
{ ترهَّل (المؤتمر الوطني) وتكلس، مع تطاول (شجرته)، وانتشار فروعها وتشابكها بين القبائل والجهات، و(المصالح) و(المجموعات). هل تصدقون أن للمؤتمر الوطني (فرع) في “بيروت” يرأسه (عازف) بإحدى الفرق الموسيقية من شباب المهجر!! ما معنى أن يكون للمؤتمر الوطني مكتب في “بيروت”، وآخر في “القاهرة”، وثالث في “لندن”، بينما مكاتبه في أحياء “الخرطوم” غير فاعلة، وغير منتجة؟!!
{ ذات الشيء حدث ويحدث في (الحركة الإسلامية) التي تمخض جبلها فولد الأخ الكريم “الزبير أحمد الحسن” أميناً عاماً (بالتعليمات)!!
{ ومما يؤكد أن مكاتب (الحركة) غير فاعلة، وأن (قيادتها) في “الخرطوم” غير ملتصقة بمكاتبها و(قواعدها)، سقوط عدد كبير من (كبار) قيادات الدولة والحركة الإسلامية في انتخابات (التصعيد) من (المؤتمر الوطني) إلى (مجلس الشورى)، فحصل أحدهم على (صوت واحد)، وآخر على (صوتين) أو (ثلاثة)، في وقت حصل فيه “عبد الله سيد أحمد” و”صلاح كرار”، وهما شخصان غير نافذين، ولا ضمن (الهياكل) القيادية للحركة، على (25) صوتاً وأكثر، ليصعدا إلى الشورى بالانتخابات!!
{ فقط البروفيسور “ابراهيم أحمد عمر” هو الذي تعوّد أن يصعد محمولاً على أكتاف قواعده في “أم درمان” العزيزة.. الوفية والأصيلة.
{ إذن .. هناك مشكلة ما.. كان ينبغي أن يتم استغلال المؤتمر العام للحركة الإسلامية – عبر (الممارسة) لا (التنظير) – في تلمُّس الحلول لها.
{ لقد دعونا كثيراً من هذا المنبر إلى ضرورة (الإصلاح) و(التجديد)، ولكن لا حياة لمن تنادي، فما زالت هناك (رغبة) عارمة ومتزايدة بدواخل البعض في (البقاء) لأطول فترة ممكنة، متشبثين بالمواقع، ملتصقين بالكراسي!!
{ لستُ من أنصار “غازي صلاح الدين”، بل إنني مؤمن ومقتنع تماماً بأن د. “غازي” ليس (إصلاحياً) ولا يحزنون، وأن أمثال الدكتور “عبد الله سيد أحمد” وبعض الشباب والطلاب تلفتوا يمنة ويسرى، وفي ظل حالة (التكلس) و(تكرار الوجوه) وغياب الكثيرين عن المشهد، لم يجدوا أمامهم أحداً غير “غازي” بشخصيته (الناقدة) باستمرار (في المجالس الخاصة) لكل شيء، وكل سلوك يصدر عن هذا التنظيم الحاكم!!
{ في رأيي، وحسب مراقبتي ومتابعتي وبمعرفتي التي أزعم أنها (عميقة) بأغلب رموز الحكم في السودان، أستطيع أن أزعم أن “غازي صلاح الدين” يحمل في داخله شخصية (ديكتاتور) أكبر بمراحل من ذلك الديكتاتور الذي يمكن أن يكون متشكلاً داخل الرئيس المشير “عمر البشير” الحاكم منذ أكثر من (23) عاماً.
{ أمّا الفريق “صلاح قوش” فهو (عرّاب) سياسة الانغلاق والكبت والشموليّة و(الرقابة) والاعتقالات التعسفيّة لأشهر متطاولة، فكيف يصبح بين ليلة وضحاها (عرّاب) الانفتاح والإصلاح والتغيير؟!!
{ “صلاح قوش” فشل في كل الملفات التي كلف بها، بل فشل في إدارة جهاز الأمن – نفسه – رغم أن بعض المتوهمين ما زالوا مقتنعين بأنه (أقوى) و(أذكى) ضابط مخابرات مرّ على تاريخ السودان!! وكيف يكون ذلك، و”خليل ابراهيم” يدخل أم درمان نهاراً جهاراً عند الثالثة بعد الظهر، وتقدل (تاتشاراته) في شارع العرضة وجوار (حوش الخليفة) بأم درمان، بعد أن قطعت أكثر من (ألف) كيلومتر قادمة من أقاصي غرب دارفور، متجاوزة حدودنا مع تشاد، ثم توغلت لتمكث في شمال كردفان.. وسيادة الفريق يسأل (عمدة) إحدى القبائل الرعوية عن مكان قوات “خليل” فيأتي صوت (العمدة) عبر الهاتف قوياً: (علي الطلاق.. الجماعة ديل عندكم في الخرطوم الساعة تلاتة!!) وفي هذاالتوقيت بالضبط كنت أعبر بسيارتي صينية الزعيم “الأزهري” بأم درمان باتجاه بحري، وكانت تهرول أمامي باتجاه كرري (دبابة) من المجنزرات تحاول اللحاق بمعركة (المواجهة) الغريبة والعجيبة في قلب العاصمة الوطنية “أم درمان”!! كيف تسنى لهم – كقيادات عسكرية وأمنية – أن يبقوا في مواقعهم ساعة واحدة بعد ذلك (اليوم) – العاشر من مايو عام 2008م – لست أدري!! ولا أحد يدري حتى الآن!!
{ وفشل “قوش” في ملف علاقات التعاون (بالمجان) مع أمريكا.. وقدم لها أكثر مما طلبت، وكان المقابل (صفراً) كبيراً.. وما زال (الصفر) يتضخم تجديداً (سنوياً) للعقوبات وتجميداً لاسم السودان في قائمة الإرهاب!!
{ وفشل “قوش” في ملف العلاقات مع “تشاد” و”ليبيا”، وضحكت علينا مخابرات “القذافي” كثيراً جداً.. وموّلت (كل) حركات التمرد (الدارفورية).. وكان “قوش” يعلم.. وكان “القذافي” يسخر من السودان والسودانيين!!
{ وضحك علينا قادة الجيش “التشادي” الذين دعموا قبل سنوات حركة (العدل والمساواة) بكل ما طلبته من سلاح وإمداد، وعندما واجه “قوش” الرئيس “دبي” بالمعلومات.. كان رد الرئيس: (أقنع “دوسة” القدّامك دا) !! و”دوسة” هو ابن عم الرئيس ووزير الدفاع، والرواية ليست من صنع خيالي بل حكاها الفريق “قوش” بنفسه في تنوير مشهود حضره جميع رؤساء تحرير الصحف السياسية بالقيادة العامة، ويومها هدّد “قوش” الصحفيين بكشف (عملاء) السفارات بين صفوفهم، ونادى على مسؤول الصحافة بالجهاز وقتها: (يا فلان الكشف وينو؟!)، ولم يكن هناك (كشف) ولا يحزنون.. كان هناك صحفيون يساريون تعاونوا مع (منظمات) غربية تحت ستار (دعم الديمقراطية)، ولم يكن بحوزته قائمة بعملاء سفارات ولا قنصليات.
{ كان “صلاح قوش” ينتهج سياسة الإرهاب والتخويف مع جميع القطاعات السياسية (المعارضة) و(الحاكمة) والإعلامية والمجتمعية، ولم يكن ضابطاً (مخابراتياً) عظيماً.. وإلاّ ما تعرضت البلاد لنكبات عديدة في عهده، وكانت آخر أخطائه في رئاسة اللجنة السياسية الأمنية المشتركة مع الحركة الشعبية قبيل انفصال (الجنوب)، وفيها وافق على ضم منطقة (14) ميل لقائمة المناطق المتنازع عليها مع الجنوب؟!
{ هؤلاء ليسوا (إصلاحيين)، ولا ينبغي أن يكونوا، لكنهم (ناقمون) وغاضبون، وفي رأيي أن أمر (الانقلاب) لم ينضج بعد في تفكيرهم وبرنامجهم.
{ كما أنها لا يمكن أن تكون محاولة (تخريبية)، لأن هؤلاء يعتبرون أنفسهم (أصحاب الجلد والرأس) في (الإنقاذ)، فماذا سيخربون؟! كباري؟ محطات الكهرباء والمياه؟ هذه صنائع تشبه حركات التمرد، ولا تشبه قيادات من قلب المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية.
{ التوصيف لم يكن موفقاً ولا دقيقاً.
{ ما الحل إذن؟!
{ كان الأقوم والأسلم، أن تترك (القيادة) إجراءات الشورى وعمليات الانتخاب في مؤتمر الحركة الإسلامية تجري دون أي (إشارات) أو (تدخلات).
{ وقد كان شرفاً وفخراً عظيماً للحركة الإسلامية أن تبدأ مؤتمرها العام بممارسة شفافة وديمقراطية مفتوحة في عملية انتخاب رئيس المؤتمر، التي فاز فيها اللواء دكتور “الطيب ابراهيم محمد خير”، خارج إطار كل التوقعات والحسابات.
{ رصدت الكاميرات الدكتور “نافع علي نافع” وهو يرفع يده عالياً مصوتاً للبروفيسور “عبد الرحيم علي” ضد “الطيب سيخة”، ليفوز دكتور “الطيب” ويسقط “البروف” مرشح القيادة!!
{ كان مشهداً عظيماً لممارسة الديمقراطية في السودان، وكان يمكن أن تسوّق له (الحركة الإسلامية) لسنوات.. فالمسؤول في الحزب بعد الرئيس، يصوت لأحدهم.. فيسقط!!
{ لكنهم – وكعادتهم – لا يصبرون على الديمقراطية وممارسة الشورى، فتوتروا وتهيجوا وشمّروا عن (سواعد المحاصرة) وقفلوا الطريق، وجاءوا بالشيخ “الزبير أحمد الحسن”.. و”الزبير” ليس مجدداً، ولا مفكراً.. ولا زعيماً ..!! هو رجل (متدين تقليدي).. ومقبول للقيادة.. فقط!!
{ كان الأفضل سياسياً أن يخلوا بين (القواعد) والممارسة، فليأتوا بـ “غازي”، أو “محمد عبد الله جار النبي” أو “عبد الله سيد أحمد” أو “زيد” أو “عبيد”، ليس مهماً.. فماذا سيحدث لو جاء أحد هؤلاء أميناً عاماً..؟!
{ لن يحدث شيء.. أسوأ مما سيحدث بفعل (الاحتقان) الداخلي الماثل الآن.
{ يجب أن تقتنع كل (القيادة) بأنه ليس في العمر بقية.. وأن أمراض (السكر) و(الضغط) و(القلب) و(الشرايين) وغيرها قد هدّت أجساد معظم القيادات والوزراء والولاة، وأن (التغيير) هو سنة الحياة، فمن الأفضل أن يرتفعوا على (التكتيكات) المؤقتة والصغيرة، ويتجهوا ناحية (الانفتاح) أكثر وأكثر.. لأن (المحاولات) لن تتوقف إذا كانت (كل) الطرق (مسدودة) أمام (التغيير) السلس والناعم.
{ حفظ الله البلاد والعباد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية