أخبار

"عمار بن ياسر" بين أنصار "الزبير" وأنصار "غازي" .. وقضايا للترويح

{ (1) نبضات قلب
الأستاذ “صادق عبد الله عبد الماجد”.. رجل أجدُ فيه حين ألتقيه سكينة ورضا واطمئناناً.. تُريحني رؤية وجهه من كل ضيق، فأمتلئ بقدر من اليقين والفرح.. أما لماذا يحدث هذا، فالسر في صدق معالم وجهه الذي لا تملك إلا أن ترى منه دواخله، وتحديداً قلبه الذي لا يعرف غلاً ولا حسداً ولا رياء.. نحيف كالسوط.. مديد القامة مثل شجرة الزان صقيلة العود.. وجهه لا يعرف التقطيب.. خفيض الصوت كأنّما يخشى البوح، ويؤثر الكلام الذي لا يوجع سامعاً!! ثم هو لا يحمل في كتفه من الدنيا إلا مخلاة مسافر، فيها بضع تمرات وجرعة ماء..
وقع في يدي كتاب له اسمه (نبضات قلب)، هي مجموعة مقالاته الصحفية في صحيفة (أخبار اليوم) تحت عموده الصحفي (ما قل ودل).. الكتاب صدر في يونيو 2011.. والكتاب كما يصفه الغلاف: (رحلة كألوان الطيف من أجل أمتي ووطني).
أردت أن أكتب عن هذا الرجل وعن هذا الكتاب.. لكن كتابة بروفسور “الحبر يوسف نور الدائم” عنه وعن الكتاب في تقريظه له، ولكاتبه، جعلتني أفسح السطور له ليكتب.. وكيف لا وهو الأعرف والأقدر في التعبير والتعريف واعطاء الشيخ مستحقة من التبجيل والتعريف به..
{ يقول د. “الحبر”:
(إن “صادق عبد الله عبد الماجد” اسم له دوي ورنين، ظل على مدى عقود من الزمان يقرع باب التاريخ، فيستجيب له استجابة كريم.. أريحي، بشوش، درس القانون وكان في وسعه أن يكون قاضياً رزيناً أو محامياً مرموقاً، ولكنه آثر العمل العام، فكان له في التعليم نصيب، وفي السياسة كفل، وفي الدعوة حظ عظيم، وهو المجال الذي برع فيه، وعرف به، فكان أن جرّد من نفسه المثل الحي.. إخلاص في القول والعمل، واستقامة في الفكر والسلوك، وثبات على المبدأ، وتضحية كريمة في سبيله، ما ليّن له السجن من قناة، وما ذلل له التضييق من جانب.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.. تواضع جم، وأدب رفيع، وكرم أصيل)..
ويمضي د.الحبر يصف الرجل بحق فيقول:
(لبيبٌ أعان اللب فيه سماحة.. خصيبٌ إذا ما راكب الحدب أوضعا.. تراه كعندر السيف يهتز للندى.. إذا لم تجد عند إمرئ السوء مطمعا.. صاحب القلب المشيع والقلم الرصين والأسلوب السهل الممتع).
أستاذي “صادق عبد الله عبد الماجد”.. كثير من وجوه الناس تضيع في زحام شوارع الدنيا.. غير أن وجهك صادق التعبير عن الرضا، الذي يملأ نفسك، يطمئننا حين نراك، فنرى رغم عتمة الظلام وجهك بدراً، وأن الدنيا بخير)..
{ (2) التمدد على سرير الشعر
صديقي أعرف أنك تشكو من ضيق في سعة الدنيا.. وربما تشتاق لضحكة تدمع عينيك.. وأن تتمدد في استرخاء على سرير الشعر وليس (عنقريب) الحزن.. لهذا أدعوك أن تغمض عينيك وتقرأ معي هذه الأبيات لنزار قباني:
(1) يا سيدتي:
كنت أهم امرأة في تاريخي
قبل رحيل العام
أنت الآن.. أهم امرأة
بعد ولادة هذا العام
أنت امرأة لا أحسبها بالساعات
وبالأيام
أنت امرأة..
صنعت من فاكهة الشعر
ومن ذهب الأحلام..
أنت امرأة.. كانت تسكن
جسدي
قبل ملايين الأعوام
يا سيدتي:
يا المعزولة من قطن وغمام
يا أمطاراً من ياقوت..
يا أنهاراً من نهوند
يا غابات رخام
يا من تسبح كالأسماك بماء..
القلب
وتسكن في العينين كسرب
حمام
لن يتغير شيء في عاطفتي..
في إحساسي..
في وجداني.. في إيماني.
فأنا سوف أظل على دين
الإسلام.
دين الإسلام دين الحق والجمال والصدق.. والشعر الذي يؤكد رسوخ هذا الدين هو الشعر الذي تتمدد في سريره.. أليس كذلك؟
{ (3) الألتراس السياسي
ظاهرة الألتراس التي بدأت تمد عنقها بتطاول يفوق أعناق المآذن، وتفرض دينها الكروي الجديد الذي يأخذ من الرياضة عافيتها وسلامها ودورها في إمتاع الناس الذين يجيئون وهم يمنون أنفسهم بقضاء ساعتين في مشاهدة ومؤانسة واستمتاع.. جاء رسل الدين الجديد.. أقول دين لأن الذين ينتمون لهذا التيار الظالم لنفسه يجعلون من الفريق الذي يشجعونه ويحتشدون تحت لوائه ويقدسون لاعبيه، بل يجعلون هذا الولاء فرض عين لا تسقطه كفارة ولا كفاية.. وإنما ولاء في منشط النصر ومكره الهزيمة.. بل إن قاموسهم وناموس ولائهم لا يقبل الهزيمة مطلقاً، وويل لفريق يتجاسر بنصر عليهم.
هذه الظاهرة التي اجتاحت أركان الأرض، وسِمتها التعصب الأعمى في أبشع الصور وأقبح الممارسات، تربط أفرادها بسلسلة من الغضب وازدراء غيرهم، وبقيود الطاعة العمياء التي حين تؤمر تقوم بتنفيذ المطلوب دون أن ترمش لها عين أو تتردد ولو للحظة واحدة في أن تفعل وبكل العمى ما يقود لارتكاب مجزرة أو إحداث حريق مهول.
بدأت هذه الظاهرة منذ منتصف أربعينيات القرن المنصرم، وكان رحم حملها في بطن ملاعب أمريكا الجنوبية.. وهي كلمة لاتينية تعني طفح الكيل أو التطفيف بغير صواع قانوني أو فيضان فجائي يغمر كل ملعب ويغشى موجه المهلك كل مساطب الجمهور.. وهو بمعنى آخر الأمور الزائدة عن الحد.. الفلتان لمركبة بلا كوابح أو فرامل.
انتقلت جرثومة الألتراس من أمريكا اللاتينية كحركة تقوم على تشجيع الفرق الرياضية وخاصة منشط كرة القدم لتزداد انتشاراً في أنحاء أوروبا وتحديداً في يوغسلافيا وكرواتيا.. وتخصصت مبتدأ في استخدام الألعاب النارية وحمل العصى والسلاسل الحديدية، وبهذا تسلحت بأمرين: الغلظة في اللفظ والقسوة في الاعتداء.. ثم انتشر الوباء فعم استادات شمال أفريقيا .. تونس.. الجزائر وحتى دول الخليج، وإن قلّت فيها حدة اللفظ وكسر حواجز الأمن.. ثم بدأ تخلُّق مضغتها الآن في رحم ملاعب أم درمان.
ولئن أصابت ظاهرة (الهوليغنز) إنجلترا وإيطاليا، فإن ظاهرة الألتراس هي شقيقة ظاهرة (الهوليغنز)، وبينهما تشابه وتطابق ورابطة، فكلاهما يدافع عن ناديه وعن المجموعة مهما كانت التضحيات.. ولكن تداخلت علاقة الألتراس منذ بداية نشأتها بسبب تعاطف مجموعات الألتراس مع القضايا السياسية والإنسانية.. فالألتراس انقسم مثلاً في إيطاليا بين مجموعة اليمين المتطرف أو الولاء لعصبية الكنيسة أو مصاهرة بين يهودية صهوينية أو عرقية عنصرية.
غير أن ما حدث في مصر وتحديداً في مدينة بورسعيد قد أحدث صدمة فاجأت مصر بشاعتها وجديد عنفها.. وهو أمر لمس السياسة من ضلع، وكسر ضلع التسامح بكسر مركب عسير الجبر أو الإصلاح.
صحيح أن ظاهرة العنف في ميادين وملاعب السودان بدأت تطل بوجه سافر لا يحجبه قناع، وتشكلت ملامح واضحة لظاهرة تقتضي الدراسة والنظر وإيجاد الحلول.
ولئن كانت هذه الظاهرة قد تبدت واضحة في ملاعب الرياضة.. وهو أمر يستحق النظر والبحث، فإن تمدد هذه الظاهرة إلى الصحف.. ثم إلى أهل السياسة.. فإن الأمر قد يحدث كارثة ويفت عضد أمة.. وقد كتبت في الأسبوع الفائت عن الأفواه المفخخة التي يطلق اللسان فيها قذائف الكاتيوشا السياسية، و(دانات) القول الغليظ، وطلقات الإساءة الممغنطة بالافتراء والتجريح.. ثم بلكمات التخوين والعمالة، وإذا ما هدأ فيهم غل الخصومة وصفوا خصمهم بالضعف والهزال الفكري.. وابتلاع أقراص المهادنة والموالاة.
كانت أيام انعقاد مؤتمر الحركة مثل بداية معركة (صفين) أو (واقعة الجمل).. “عمار بن ياسر” بين لسانين.. لسان من خرج معهم مقاتلاً ولسان من يقاتلهم “عمار”.. فقد أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار.. بأنه مقتول.. وتقتله الفئة الباغية!!
خرج عمار رغم تصديقه واقتناعه بأنه مقتول.. مقتول.. وحين استشهد مقتولاً قال فريق معاوية (إنما قتله من أخرجه للقتال)!! وقال فريق علي كرم الله وجهه: (إذن قولوا إنما قتل حمزة من أخرجه)!! وبُهت الذي كفر!!
الآن ينهض “عمار” وقضيّة خروجه تنهض قضية خلاف.. فلا “الزبير” “علي”.. ولا “غازي” “معاوية”.. ولا “الحركة الإسلامية” “عمار” ولا الوقت لإشعال واقعة الجمل من جديد!!
د. “غازي” ابن الحركة.. و”الزبير” ابن الحركة.. هذا كف صدق وذاك كف صدق، فإذا التقى كف الصدق بكف الآخر الصادق والصدوق تكسب الحركة سلامة الاتحاد.. وتسير بالاثنين نحو بلوغ الأهداف.. والأمر كله دعوة لإسلام حنيف وحركة تستمد من الإسلام عنفوان نجاعة خطتها على طريق الحق المستقيم!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية