(الزبير) .. جدل بديل غير متوقع لامانة الحركة الاسلامية !!!
*علاقة الحركة بالسلطة تسقط من الأجندة
بعد ضجة إعلامية شغلت الإعلام لأيام اختتمت الحركة الإسلامية مؤتمرها الثامن بعد أداء متواضع شهدته الجلسات دون أن يتم الإجابة على أسئلة أساسية ظلت معلقة منذ استيلاء الحركة على السلطة، من بين هذه الأسئلة علاقة الحركة بالسلطة التي أرقت مضاجع كثير من الحركيين وقادتهم مؤخراً لقيادة تيار إصلاحي داخل جسم الحركة كسب دعم ومساندة قيادات بارزة ومؤثرة في الحركة الإسلامية أمثال “غازي صلاح الدين”، لكن المؤتمر الثامن عملياً أسقط هذا البند من أجندة المؤتمر، حيث لم تُفرد مساحة مقدرة لهذا الموضوع المهم، كذلك الدستور الجديد الذي احتفى به بعضهم وظنوا أنه سيكون الحل لكثير من الإشكالات طالما احتوى على نصوص مهمة من بينها عدم السماح للأمين العام بالترشح لأكثر من دورتين، عاد وأقر اختياره بواسطة مجلس الشورى وليس المؤتمر العام، في وقت كان يتطلع فيه بعضهم إلى اختياره من المؤتمر العام حتى لا تختار الأمين العام فئة محدودة، وهكذا كان رأي “حسن عثمان رزق” في أول مؤتمر للجنة التحضيرية للمؤتمر الذي انعقد بالشهيد الزبير، حينما أكد أن هناك مجموعة ترى ضرورة اختيار الأمين العام في المؤتمر العام؛ حتى يمنعوا مسألة التحكم في اختيار الأمين العام؛ لأنه إذا لم يحدث ذلك ستختاره مجموعة صغيرة لكن يبدو أن قيادة الحركة عملت على إبعاد خيار اختيار الأمين العام من المؤتمر العام حتى تتحكم في مسألة الاختيار ولا تتسع رقعة الخلاف داخل الحركة، لأنه إذا تم اختياره بواسطة المؤتمر العام سينجح تيار الإصلاح في الظفر بهذا المنصب من خلال عضويته المتحمسة للتغيير، لذلك حسم الدستور الجديد هذا الجدل قبل الدخول في صراع شخصية الأمين العام، واختيرت شخصية وُصفت بالوسطية لشغل المنصب في هذه المرحلة المفصلية من عمر الحركة، رغم ذلك هناك أصوات ظلت متمسكة بموقفها وحاولنا استنطاقها لكن آثرت عدم الرد.
• ماذا عن منصب الأمين العام في الحركة الإسلامية
يقول القيادي بالمؤتمر الشعبي “أبوبكر عبد الرازق”: (الحركة الإسلامية في السودان نشأت من أنداد لم يكن بينهم من يسبق الآخر في العمر حتى يدعى شيخاً أو مرشداً، والحركة الإسلامية نشأت من جزئين، مجموعة جاءت من حنتوب الثانوية وأخرى كانت في جامعة الخرطوم، وسمت نفسها حركة التحرير الإسلامي، وكانت حركة هوية وثقافة وطنية في مواجهة الاستعمار والمد العلماني، لذلك كانت نشأتها أقرب إلى سياق ردة الفعل التاريخية إزاء التغريب وحرصاً على الهوية الوطنية الإسلامية، وهناك مجموعة جاءت من مصر منتمية لحركة الأخوان المسلمين، والمجموعتان شكلتا الحركة الإسلامية الحديثة، ولأن كل مؤسسيها كانوا أنداداً لا تقوم من فوقهم مشيخة أو إرشادية، فلم يُسمَّ زعيماً أو مرشد اً أو شيخاً بل اختاروا كلمة الأمين العام باعتباره مؤتمناً على جملة الأمانة التي حُملها من خلال العمل الجمعي الذي تبلور عبر قنوات الشورى، أما كلمة شيخ التي أطلقت على “الترابي” فكانت اسم حركياً في إطار العمل السري، ومن بعده أصبحت لقباً)، ومضى في سرده قائلاً: (أول أمين عام للحركة الإسلامية كان “علي طالب الله” ومن ثم تسلم القيادة “الرشيد الطاهر” وبعد ذلك آلت الأمانة العامة لـ”الترابي” الذي كان له القدح المعلى في وضع بصماته على أفكار الحركة وهياكلها التنظيمية وقفزاتها الفكرية والسياسية حتى بلغت شأواً كبيراً أهلها للانتقال لمرحلة الدولة في هذه المرحلة).
*الحركة الإسلامية بعد الدولة
ووفقاً لتأكيدات بعضهم تم حل الحركة الإسلامية بعد الإنقاذ، عقب اجتماع لمجلس الشورى، وقرر بعده عدم الاجتماع إلى حين اختيار مجلس شورى جديد يشارك فيه المدنيون والعسكريون، وكُلف حينها المجلس التنفيذي بمواصلة المسيرة، وتكون مجلس شورى برئاسة “البشير” وبعد ذلك وقعت المفاصلة، لكن “أبو بكر” نفى موضوع حل الحركة، وقال: (هذه فرية كبرى لأن ما تم لم يكن حلاً بقدر ما كان انتقالاً مرحلياً في سياق تطور الحركة).
*بعد ذلك عُين أمين عام للمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم ) وأول من شغل المنصب كان “حسن حمدين” وبعد التحول من الثورية إلى الشرعية اختير “غازي صلاح الدين” أميناً عاماً للمؤتمر الوطني، وعندما وقعت المفاصلة كان دكتور “الترابي” هو الأمين العام للمؤتمر الوطني، وممسك بملف الحركة الإسلامية، وعندئذ جاءت الدعوى لتكوين الكيان الخاص من قبل الفصيل المنتمي للسلطة الذي قوبل بانتقاد من قبل بعض الإسلاميين، وفي هذه الفترة أعادت الحركة الإسلامية مؤتمراتها وتم انتخاب “علي عثمان” أميناً عاماً للحركة الإسلامية، واستمر في هذا الموقع لدورتين، وكان هناك جدل حول تذويب الحركة في الحزب، وكانت هناك قيادات تتبنى هذه الدعوة.
*المؤتمر الثامن يأتي بالتنفيذيين
بالعودة إلى المؤتمر الثامن الذي اختتم أعماله أمس واختار مجلس الشورى والأمين العام، يلاحظ أن معظم الذين تم اختيارهم لمجلس الشورى من التنفيذيين الممسكين بمفاصل الدولة، ما يعني أن دور الحركة سينتهي عند الحزب أو الدولة، ويؤكد على أن مشكلة ثنائية الحركة والسلطة ومطالبة بعضهم بفك الارتباط ستظل قائمة، لكن من قبل عضوية أصبحت لا تملك أمر الحركة، كذلك كان واضحاً أن القائمين على أمر الدولة كانوا يحرصون على اختيار أمين عام مقبول للحركيين وقريب من السلطة التنفيذية، ولهذا السبب فضل “غازي صلاح الدين” الذي يمثل رمزية التيار الإصلاحي عدم الترشح، لكن بعض المقربين قالوا إن اعتذار “غازي” كان بسبب القيادة العليا التي ستتغول على صلاحيات الأمين العام، و”غازي” لا يريد أن يدار من قبل جهة عليا.
*من هو الزبير أحمد حسن؟
يعتقد كثير من الإسلاميين أن “الزبير أحمد حسن” تقلد مناصب تنفيذية عديدة في سلطة الإنقاذ، ومن الشخصيات التي تحظى بقبول وسط الإسلاميين، وعُرف بزهده في السلطة، حيث سبق أن اعتذر عن المشاركة في السلطة التنفيذية، لكنه ظل يدافع عنها عبر البرلمان عندما تصدى لموضوع رفع الدعم عن المحروقات، “الزبير” شحيحٌ في تصريحاته، متشدداً في آرائه أقرب لتيار المتشددين في الحركة، شغل منصب وزير دولة بالمالية، ووزير مالية، ونائب لمحافظ بنك السودان، ثم وزيراً للنفط، قدم استقالته من لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان استجابة لسياسة التقشف التي أعلنتها الدولة عقب الانفصال واقتضتها ظروف البلاد الاقتصادية، وأصبح عضواً بذات اللجنة، يشغل الآن منصب رئيس مجلس إدارة سكر كنانة. الأمين العام الجديد من الشخصيات الاقتصادية الناشطة في المفاوضات بين حكومتي الشمال والجنوب كمسؤول عن الملف الاقتصادي، والزبير ما زال ملتزماً بأدب الحركة التي ينصاع فيها العضو لرأي الجماعة، هذه الميزة قد لا تجعله في مواجهة مع القيادة العليا التي يرأسها الرئيس “البشير”.
في السياق أكد لـ(المجهر) القيادي “أبو بكر عبد الرازق” أن الأمين العام الجديد سيكون بلا صلاحيات، لأن هناك قيادة عليا تعلوه برئاسة “البشير” كما أن صفة العلوية التي كان يتمتع بها المنصب وتضفي عليه صفة الوقار والاحترام هي أن يتم اختياره من قبل المؤتمر العام، والآن النظام الأساسي الجديد لمسمى الحركة أنزل المنصب من علياء الاختيار في المؤتمر العام التي تكرمه بتمثيل الإرادة العامة، إلى دونية الاختيار من مجلس الشورى، فأصبح أقل قدراً، وفي واقع الصلاحيات سيكون مجرد سكرتارية ليس لديها من أمر القيادة شيئاً، لكن ما أعلمه عن “الزبير أحمد حسن” أنه رجل متدين في شخصه، يحفظ القرآن الكريم والفقه الموروث من التاريخ الإسلامي، ولا أرى فيه بأساً غير عجزه في اتخاذ القرار التاريخي الصحيح بمغادرة المؤتمر الوطني الذي لا يمثل وعاءً مماثلاً لما يحمله من قيم)، وقال: (هذا الكيان مؤسس على فصل الدين عن الدولة والحكم والسياسة فهو للتربية والدعوة فقط كما قال مؤسسوه والمؤتمر الوطني للحكم والسياسة، والحركة ذيل تابع للحزب لا إرادة لها ولا قوة، و”الزبير” بما يحمله من صفات كريمة يمثل خير لافتة مضيئة لواقع مظلم).
أما حزب الأمة القومي فقد جاءت تعليقاته على مؤتمر الحركة الإسلامية على لسان أمينه العام دكتور “إبراهيم الأمين” الذي قال، في مؤتمر صحفي عقده حزبه أمس، قال إن ما يتم بين المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية هو عملية تبادل أدوار، مشيراً إلى أن الحركة الإسلامية كانت تتحدث عن عدم علاقتها بالفساد، والسؤال من أين جاءت هذه الممارسات من (كوكب القمر)؟، ومضى في حديثه قائلاً: (الانتخابات ــ في إشارة لانتخابات مجلس الشورى ــ جاءت بنفس الوجوه الموجودة في الدولة، والمسألة كانت مجرد كشف تنقلات)، وطالب إسلاميي السلطة بتوضيح المقصود من هذا المؤتمر، وهل ستكون هناك سياسات جديدة بنفس الوجوه القديمة أم سيتخلون عن سياساتهم الفاشلة؟
المؤتمرون كذلك لم يتوسعوا في مناقشة قضايا أساسية ظهرت في حكم الإسلاميين مثل استشراء الفساد والأوضاع الاقتصادية المتردية.
*مفارقات بين القادم والمنتهية ولايته
المتابع لسيرة الأمين العام المنتهية ولايته “علي عثمان” والقادم إلى الموقع “الزبير أحمد حسن” يلاحظ أن هناك اختلافات أساسية في شخصيتيهما، فالزبير يُعتبر من “التكنوقراط” الذين يعملون خلف الأضواء، أما “علي عثمان” فهو من الشخصيات التي تهتم بالفكر، وتتميز خطبه بالرصانة والإقناع من خلال ما يطرحه من فكر، وهو معروف على مستوى الحركات الإسلامية الإقليمية والعالمية، ومن بعد يُعتبر “علي عثمان” من الشخصيات الطموحة التي تتمتع بالاستقلالية، ويعمل من خلال مجموعات تناصره الرأي، هذه الصفات لا تنطبق على الأمين العام الجديد، ويبقى السؤال: ماذا أرادت الحركة باختيارها لأمين عام في مرحلة مفصلية بعيد عن الفكر والجماهير؟