السير على الأشواك
من حيث المبدأ لا جدال حول ضرورة إصلاح أجهزة الحكم لمزيد من فاعلية الأداء وخفض الإنفاق وترشيد موارد الدولة الشحيحة أصلاً؟؟ ، وأهم ما أعلنته الحكومة في الفترة الأخيرة عزمها إصلاح الحكم اللا مركزي.. وتقليل نفقاته وتقليص هياكله.. بخفض عدد المحليات بحيث لا تزيد في كل ولاية عن (9) محليات.. ونهض ديوان الحكم الاتحادي بهمة وزيره الشاب “حامد ممتاز” بإنفاذ قرارات الدمج والتقليص.. بتكوين لجنة من موظفي الديوان أخذت تطوف على الولايات.. لتقرر بشأن المحليات المنتظر دمجها في أخرى.. في غضون الأيام القادمة.. وبعد أن كانت كل أجهزة الحكومة وقادة المؤتمر الوطني يعزفون على لحن بسط السلطة وتقصير الظل الإداري بزيادة عدد المحليات ونقل السلطة من المركز إلى الريف.. والهتاف بضرورة تكوين مجالس المحليات التشريعية وتنفيذ مقررات الحوار الوطني، فجأة اختلف النغم باختلاف ضرب الطبل من قبل المركز الذي بات يملك في نظر الكثيرين حق التغيير والتبديل، ولأنه صاحب (اللبن) له كامل الحرية في بيعه أو شربه.. الآن تتوجه الوفود إلى الولايات بسقف محدد مسبقاً تقليص عدد المحليات إلى (9) أو (10) .. وعلى اللجان تنفيذ القرار بالدمج والإلغاء.. وكتابة السطر الأخير في تاريخ بعض المحليات.. لدواعٍ اقتصادية، رغم أن إلغاء بعض المحليات وإدماجها لن يغير من الواقع شيئاً لضعف المردود المالي الناجم عن إلغاء محلية.. بفضل المعتمد ومدير مكتبه وإلغاء تكليف المدير التنفيذي وتوفير عربة واحدة وبضعة براميل من الجازولين.. ونثرية ضيافة المعتمد، ولكن بالمقابل الخاسر الأول من القرار هو المؤتمر الوطني الذي كان يعتمد في حشد الناس للانتخابات على هياكل الحزب في كل محلية.. وظل المعتمد السياسي ولجان المحلية.. وأعضاء المجالس التشريعية المحلية الذين (يعملون) بدون رواتب ولا حوافز ولا نثريات، لكنهم مقتنعون بأنهم أصحاب سلطة ونفوذ وقانعون وحامدون وشاكرون على الحبال التي بيدهم وهم لا يتطلعون في الأصل للحصول على بقرة عوضاً عن الحبال (والقرب الفاضية).
نعم أغلب المحليات بدون موارد وتنتظر فقط حلول نهاية الشهر لتحصل على الفصل الأول من المركز و(شوية) جنيهات تنزل عليها من رئاسة الولاية.. وبعض المعتمدين لا يملكون حتى جوال سكر يقدمونه في مناسبات الأفراح والأتراح.. لذلك قرر المركز خفض عدد المحليات وتحمل تبعات القرار حتى لو أدى ذلك لخسارة المؤتمر الوطني لعدد من الدوائر في المحليات بسبب الرفض والمقاومة المنتظرة لقرار الدمج والتقليص والإلغاء.. والإدماج.. بعض السياسيين من الحادبين على التجربة الحالية يعارضون من واقع الحرص لا التربص إلغاء بعض المحليات بزعم خفض الإنفاق.. ولكن الأغلبية وخاصة النافذين في الحكم لا يرون إلا ما يرى من هم أعلى منهم.. وهذه الحالة عرفها “ابن خلدون” برسوخ سلطان القوة الذي يحجب عن الحكام الرؤيا ويصيب الحاكم بدوار البحر.
في الأيام القادمة تضاف أعداد كبيرة من الفاقد التنفيذي والسياسي لما هو موجود أصلاً بعد تقليص وزراء حكومات الولايات إلى قسمة فقط وتواجه الولاة مشقة وعسر في قسمة ثلاث حقائب فقط إحداها امرأة ينتظرها مئات المنتظرين.