القضية المنسية
# قبل أكثر من ستة أشهر، شكل المؤتمر الوطني لجاناً كثيرة تجاوزت العشرين لجنة لإدارة حوار سياسي مع كل القوى السياسية الحليفة له والشريكة في السلطة والمعارضة له في الداخل ولم يستثن المؤتمر الوطني حتى الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي، وهؤلاء يعتبرون ألد خصوم الوطني سياسياً وأكثر القوى رفضاً للتلاقي مع الوطني، ولكن المؤتمر الوطني ترك الفرض في السياسة وشغل نفسه بالسنن والنوافل.
فماهو الفرض في قضية حوار الوطني من الأحزاب ؟ بالطبع الفرض الذي لم يشغل الوطني نفسه به هو الحوار مع القوى التي تحمل السلاح، ونعني بدقة الحركة الشعبية قطاع الشمال بجناحيها المتصارعين وحركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة “مناوي وعبد الواحد” وهذه القوى التي تحمل السلاح مهما تباعدت المسافات بينها والمؤتمر الوطني ومهما تباينت الرؤى فإنها أجدر بالحوار من بعض قوى الداخل، التي ليس بينها والمؤتمر الوطني نقاط خلاف شائكة وحادة باستثناء الاتفاق حول الدستور وقضايا الحريات العامة والانتخابات النزيهة التي تطالب بها هذه القوى.
لكن الحركة الشعبية على سبيل المثال تحتل ثلاث محليات بكاملها بولاية جنوب كردفان، ولها وجود في أكثر من ثلاث محليات جغرافية بالنيل الأزرق عطفاً على الوجود السياسي للحركة الشعبية وسط مواطني المنطقتين كقوة ثانية بعد المؤتمر الوطني، والدليل على ذلك فوزها بمنصب الوالي في النيل الأزرق وتفوقها على المؤتمر الوطني بالعدد الكلي للأصوات التي حصلت عليها، وتفوقها على الوطني في حزمتي التمثيل النسبي والمرأة، ولم يتفوق مولانا “أحمد هارون” على مرشح الحركة الشعبية “عبد العزيز آدم الحلو” إلا بنحو ستمائة صوت فقط في ظل خارطة قديمة للولاية التي كانت تضم نصف ولاية غرب كردفان الحالية.
فالقوى الشعبية التي ساندت الحركة الشعبية في الانتخابات لم تأكلها دودة الأرض ولم يذهب الناخبون مع “الحلو” إلى “كاودة”، ولكنهم يشكلون وجوداً صامتاً وخائفاً من تبعات الجهر بمواقفهم علناً، ولكن في أي استحقاق انتخابي حر فإن المؤتمر الوطني سيجد نفسه أمام منافس حقيقي وليس منافساً مثل حلفاء المؤتمر الوطني وشركائه، فلماذا لم يشكل المؤتمر الوطني لجاناً خاصة بالحوار مع الذين يحملون السلاح حتى لو كانت مجرد لجان استشارية تسدي النصح وتقدم الرؤى للوفد الحكومي الذي يفاوض نيابة عن الحكومة وليس نيابة عن المؤتمر الوطني؟.
فالحركات المسلحة الدارفورية والكردفانية لها وجود سياسي داخلي في كل مدينة وقرية وولاية وبمقدور المؤتمر الوطني فتح نوافذ حوار سري أو علني مع هذه القوى، وبالخرطوم الآن ممثلون “لعبد الواحد” وآخرين في معسكرات النازحين، و”للحلو” قيادات في أم بدة والحاج يوسف وهم مواطنون لهم كامل الحقوق والتفاوض معهم لا يعني مطلقاً شرعنة الانتماء للتمرد بقدر ما تعني الاعتراف بالأمر الواقع وبسط الثقة في الساحة السياسية والإقبال على الفترة القادمة برؤية واضحة، ولكن المؤتمر الوطني يفاوض الحزب الشيوعي ويفاوض الحزب القومي ومؤتمر البجا والشعبي وهؤلاء اختلافهم مع الوطني اختلاف منهج فقط، ويهدر المؤتمر الوطني وقته في حوار الاتحادي الديمقراطي وأنصار السنة، وهو بذلك كالذي يفاوض نفسه ويناجيها وبدلاً من إضاعة الوقت فيما لا خلاف حوله فإن د .”فيصل” مطالب بما هو مطلوب.