حكومتا الشمال والجنوب .. ضخ النفط يصطدم بمأزق فك الارتباط!!
لم تستمر موجة التفاؤل التي شملت دولتي السودان وجنوب السودان طويلاً بعد اتفاقية أديس أبابا، إذ سرعان ما عاودت رياح الجفاء مجدداً لتعبث باستقرار المصالح وتهدد تطبيق الاتفاق على أرض الواقع، وذلك عقب فشل المباحثات الأخيرة لبحث سبل الاتفاق الأمني بين البلدين التي طالبت فيها الخرطوم جوبا بفك الارتباط بين متمردي الحركة الشعبية بالشمال ودولة الجنوب وعدم إيواء الحركات المتمردة. وكانت دولة جنوب السودان قد أعلنت رسمياً إلغاء كل الترتيبات الفنية الجارية تمهيداً لاستئناف إنتاج وتمرير النفط الجنوبي عبر موانئ الشمال، وأوقف جنوب السودان فعلياً بالأمس عمليات التهيئة الفنية بحقل (عداريل) النفطي الكبير الذي كان يتوقع أن يستأنف الإنتاج خلال الشهر القادم، كما صدرت تعليمات بإيقاف العمليات الفنية في بقية الحقول، وتم تحويل الاحتفالات التي تم الترتيب لها مسبقاً بمناسبة استئناف الإنتاج في حقل فلوج إلى احتفال بافتتاح مصفاة بمنطقة (ثيانغ ريال) المجاورة.
وبحسب المصادر التي تحدثت لـ (المجهر) فإن هذا الأمر يتم في سياق الاستعداد لعملية ضخ النفط، فيما فهمه آخرون في سياق الرسائل السياسية التي عادة مما تتبادلها البلدان التي تعيش حالة من الصراع.
{ الشمال يرهن ضخ النفط بالأمن
وكان وزير النفط “عوض أحمد الجاز” قد رهن تنفيذ اتفاق عبور نفط جنوب السودان عبر السودان بالتوصل إلى تفاهمات بشأن الترتيبات الأمنية، وأعلن أن اتفاقية النفط لن تنفذ على أرض الواقع إلا بتطبيق كل الاتفاقيات الموقعة في أديس أبابا مؤخراً، لاسيما الاتفاقية الأمنية. وقال “الجاز”، عقب لقائه وفد دولة جنوب السودان برئاسة وكيل وزارة النفط والمعادن “مشار أشيك”، قال إن الاتفاقيات الأمنية ضمان لانسياب النفط عبر الأراضي السودانية إلى المصافي وموانئ التصدير، مؤكداً حرص بلاده واستعدادها لإنفاذ الاتفاقيات لصالح شعبي البلدين ومصالح الشركاء في مجال النفط.
ومن المتوقع أن يتمكن جنوب السودان مع بداية إعادة الإنتاج أن يضخ ما بين (180 – 200) ألف برميل يومياً من حقول (أعالي النيل)، ونحو (30) ألف برميل يومياً من حقول (الوحدة).. في حين عبر “مشار أشيك أدير” وكيل وزارة النفط والمعادن بجنوب السودان، رئيس الوفد لدى وصوله مطار الخرطوم في زيارته للشمال، عبر عن ارتياحه بوصول نفط الجنوب الأسواق العالمية بنهاية هذا العام، مشيراً إلى أهمية التعاون بين السودان وجنوب السودان، وقال “مشار” إن بلاده تسعى لمزيد من التعاون بين وزارتي النفط بالبلدين.
وفي الداخل عبر مراقبون عن قلقهم بعد فشل الاجتماع الأخير الذي ضم وزيري الدفاع في الدولتين في التوصل إلى تسوية نهائية بشأن الترتيبات الامنية، وحسب حديث برلمانيين فقد فشل الوفد الحكومي الذي قاد مفاوضات الترتيبات الأمنية في التوصل لاتفاق مع مفاوضي الجنوب لعدم التوافق حول الأجندة، مشيراً إلى أن الوفد الحكومي تمسك بتضمين بند وقف الدعم والإيواء للحركات وفك الارتباط.
{ اكتمال التحضيرات ولكن!!
ومن جنوب السودان أكد الدكتور “برنابا مريال بنجامين” وزير الإعلام والبث الإذاعي في جنوب السودان لـ (الشرق الأوسط) إن بلاده جاهزة لضخ نفطها عبر السودان للتصدير. وأضاف: (“عوض الجاز” وزير النفط السوداني كان قد طلب وقف ضخ النفط بسبب الحرب في جنوب كردفان).. وقال: (إن “الجاز” أو حكومته لم يتقدما بخطاب مكتوب إلينا بوقف ضخ النفط إلى السودان، وحتى يصلنا خطاب رسمي برفض وصول النفط بسبب الترتيبات الأمنية فنحن ماضون في ضخ النفط)، مشدداً على أن بلاده جاهزة وقامت بكل التحضيرات اللازمة لضخ النفط عبر ميناء بورتسودان للتصدير. وقال: (كنا سنبدأ الضخ منذ يومين، وبالطبع لا يمكن أن نفتح أنابيب النفط من جانب واحد لأن ذلك سيوثر على الآبار). وتابع: (المعارك الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق بين الحركة الشعبية الشمالية والقوات السودانية أمر يخص الخرطوم، وهي مشكلة داخلية ليس لدينا دخل فيها) . وأكد مصدر حكومي لـ (المجهر) أن الترتيبات الفنية بأنابيب الشمال جاهزة لاستقبال النفط القادم من الجنوب وأن الأنابيب كانت قد جهزت عقب توقف النفط سابقاً بمواد لحفظها، ويشير إلى إفراغ محتوياتها من المادة الحافظة فور اكتمال الاتفاق الأمني وبدأ الشروع في تدفق النفط عبر الشمال.
{ اتفاقية الحد الأدنى
وكانت صحيفة (الإيكونومست) البريطانية في مقال سابق لها قد وصفت اتفاقية أديس بين حكومتي السودان وجنوب السودان باتفاقية (الحد الأدنى)، وأرجعت ذلك إلى أن رئيسي السودان وجنوب السودان قد وقعا اتفاقاً يتم بموجبه تدفق النفط بين البلدين مرة أخرى، ولكنه فشل في حل النزاعات الحدودية التي دفعت البلدين في وقت سابق إلى مربع الحرب الأهلية، خاصة وأن تكهنات وهمسات قد ربطت عدم وضع رسوم العبور بميزانية العام 2013، الأمر الذي دفع بالخبراء إلى توقع إيداع اتفاقية التعاون مهب الريح، وعدم مراوحتها مكانها في ظل الظروف الأمنية المعقدة، ويرى في هذا الشأن الخبير الاقتصادي د.”خالد التجاني” في حديثه لـ(المجهر) أن الأمور تبدو الآن أكثر تعقيداً، بل يعتقد أنها بدأت تعود إلى مربع الصفر بعد فشل المباحثات الأمنية الأخيرة بين الطرفين خاصة وأن فك الارتباط يعتبر مسألة جوهرية بالنسبة لشمال السودان، ووصف التراجع من جانب الجنوب بتجاوز روح الاتفاق، ووصف “التجاني” التصريحات من قبل الدولتين بالرسائل السياسية، وقال إن كلاً من الطرفين يحاول إبراز مكامن القوة ويضغط بها ككرت على الآخر.
{ اهتمام إقليمي
وأشارت مصادر إلى أن وفداً من الاتحاد الأفريقي سيصل البلاد الأسبوع القادم في محاولة لإنقاذ اتفاقية التعاون من الانهيار، وألمح المصدر إلى وجود ضغوط دولية على الطرفين لإنزال الاتفاق إلى أرض الواقع، والناظر إلى المجتمع الدولي يرى بما لا يدع مجالاً للشك أن هنالك تدخلاً سافراً في الشأن السوداني للدولتين وأن السودان يقف وحيداً مقابل الدعم السخي للجنوب، ويرى د.”التجاني” أن هنالك أيادي تعبث باستقرار الاتفاقية وتحاول إعادة الطرفين إلى الحرب بطرق غير مباشرة، وقال إن هذا ما يجعل قدرة مجلس الأمن على الضغط ضعيفة. وهذا ما أكدته توجيهات “سوزان رايس” في ضغطها على الطرفين باكتمال اتفاق النفط إطارياً في أديس أبابا.
{ سعر الصرف يعاود الارتفاع
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية بالسوق الأسود عقب توقيع اتفاقية التعاون بين الجنوب والشمال إلا أن السوق ما لبث أن عاود الارتفاع مجدداً عقب تعثر تنفيذ الاتفاقية، واحتمال إرجاء بدء ضخ نفط الجنوب عبر الشمال، وشهد السوق الموازي أمس ارتفاعاً ملحوظاً أوصل معه الدولار إلى (6,3) مقابل الجنية السوداني.