أخبار

العبر والدروس

كم أنفقت الدولة من الأموال على رحلات الباحثين عن تجارب الآخرين، بزعم الاستفادة منها وإعادة استنساخها في بلادنا.. منذ سنوات وأفواج الحجاج والمعتمرين تطوف على ماليزيا بزعم الاستفادة من تجربتها في النهضة من دولة فقيرة تتلقى المعونات، إلى واحدة من أفضل عشر دول في العالم من حيث النمو والتقدم.. وذهب لماليزيا الموظفون والقيادات والوزراء.. وأقيمت الدورات التدريبية هناك.. ولكن النتيجة معلومة.. ثم جاءت (موضة) التدريب في الصين حتى الحزب الشيوعي الصيني أصبح مدرسة يتعلم منها الإسلاميون في السودان كيفية إدارة الحملات الانتخابية.. وحينما صعدت تركيا وتقدمت على كل دول المنطقة.. زحفت القيادات ووفد الوزراء.. ومديرو المكاتب.. والمصرفيون يلتمسون العلم في أنقرا واستانبول.. ولكن حصيلة تجارب الآخرين لم تنبت في بلادنا حتى اللحظة.. حتى أعلنت القيادة العليا في الفترة الأخيرة لحملة القضاء على الفساد والمفسدين.. والتطهر من درن وأوشاب الماضي.. وبدأت الدولة حملتها على الفساد من فلذات كبدها.. وأولاد حشاها.. وزجت بالإسلاميين في السجون والحراسات قبل الحلفاء والمؤلفة قلوبهم والجيران.. وشركاء المصالح.. ولكن لماذا لا تلتمس حكومتنا من دولة نيجيريا العون.. والتجربة في الحرب على الفساد.. ونيجيريا التي اشتهرت بفساد حكوماتها وقادتها الذين نهبوا حصائل البترول وتركوا الشعب ينظر إلى العمارات السامقة.. والأرصدة المتضخمة في البنوك الغربية، حتى جاء الجنرال المسلم “محمد بخاري” رئيساً منتخباً بإرادة الشعب وخياره.
أول ما فعله الرئيس المنتخب أجاز قانوناً في البرلمان لمكافحة الفساد وأضفى القانون حماية لموظف الدولة الذي يكشف عن وجود فساد مالي في موقعه أو أي موقع حكومي آخر.. وبات من يكشف الفساد محمياً بنص القانون ووضعت الدولة حوافز تشجيعية لمن يستعيد المال العام لخزانة الدولة بنسبة محددة.. إذا كنت موظفاً في محلية الخرطوم على سبيل المثال وتقدمت بمستندات تثبت وجود تلاعب مالي فأنت بنص القانون تستحق نسبة من المال العائد لخزانة الدولة!!
ولم يترك الرئيس “بخاري” قططهم السمان طليقة.. ذهب بنفسه إلى بريطانيا وتحادث مع الحكومة البريطانية لتسليم نيجيريا وزير البترول السابق لمحاكمة الوزير وفعلاً تم استعادة مبلغ (300) مليون دولار.. وكذلك قادة كبار في الجيش والشرطة تمت محاكمتهم، وعندما داهمت الشرطة منزلاً لأحد المسؤولين ووجدت بمنزله أكثر من (400) مليون دولار أنكر صلته بتلك الأموال، وكذلك أنكرت زوجته وادعت أن جهات معادية لزوجها وضعت هذه الأموال في بيتها لإدانة زوجها.. فصادرتها الحكومة.. تلك هي التجربة التي حرياً بالمسؤولين في حكومتنا الاستفادة منها.. وأخذ الدروس والعبر من نيجيريا.. بدلاً من رحلات الشتاء والصيف إلى بكين وكوالالمبور.. وأنقرة واستانبول.. ونيجيريا أقرب للسودان جغرافياً.. ومشكلاتها تشبه مشكلاتنا ولكنها بفضل سياسة الحرب على الفساد والمفسدين تنفست أوكسجين العافية فلماذا لا نقتدي بها.. ويذهب مولانا “عمر أحمد” وأعضاء وحدة مكافحة الفساد إلى أبوجا ولاغوس والاستفادة من تجربة رائدة لدولة شقيقة بدلاً من الرحلات التي يقوم بها بعض موظفي الحكومة إلى بلدان الشرق، ولكنهم لا يتعلمون شيئاً لاختلاف البيئة والثقافة الحاضنة لتلك التجارب.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية