القيادة والرعية!!
شيخ سبعيني تحدث لقناة سودانية عن نقل موقف المواصلات، وأخذ يتلو آيات القرآن الكريم التي تحث على الأمانة والصدق.. والتواضع والمسؤولية، وفجأة سأل المذيع: هل سيُسمح لي بلقاء “عمر البشير”؟؟ ، اضطرب المذيع ولم يجد غير محاولة الهروب من الإجابة، هل مسموح لمواطن عادي أشعث أغبر فقير لا يملك في الدنيا إلا شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بلقاء الرئيس؟؟ ، المقطع التلفزيوني انتشر بسرعة في وسائل التواصل.. وتمت إضافة أكليشيهات لخدمة أغراض المعارضة من جهة، ولم يضف إعلام المؤتمر الوطني شيئاً للمقطع المصور لخدمة أهدافه أيضاً.. لكن السؤال ما الذي يحول الرئيس وبين الناس العاديين؟.. هل هي مجموعة الموظفين الذين يحيطون به ويمنعون عنه الهواء والماء.. والتواصل مع الجماهير التي ما أحبت رئيساً من قبل “البشير” مثلما أحبته لبساطته.. وصدقه وصبره.. وتواضعه.. الرئيس الذي رفض وضع صورته في العملة الوطنية مثلما فعل “جعفر نميري” ، وحظر تزيين مكاتب الدولة بصورة القائد الملهم.. وكان الرئيس “البشير” حتى عهد قريب يخاطب الجماهير في القرى والفرقان دون حواجز أمنية، ويدخل قلوب الناس العاديين بتواصله مع المواطنين في الأفراح والأتراح.. كان في سنوات مضت يتحدث للصحافيين دون حجاب.. وبلا قيود.. يجمع الصوفية في قاعة الصداقة.. وأساتذة الجامعات في بيته ويرقص مع “جمال فرفور” لو حتى نبدأ من الصفر الريدة لازم تستمر.. ولكن الآن حدثت متغيرات ولم يتبدل الرئيس مطلقاً.. فرض الموظفون حوله قيوداً صارمة.. وبات متعذراً حتى على الصحافيين مرافقة الرئيس في رحلاته الداخلية، دع الرحلات الخارجية، وتباعدت المسافة بين القيادة والقاعدة.. والحكومة نفسها اختارت الابتعاد كثيراً عن الناس ، لم يخاطب مسؤول الرأي العام عن أسباب شح الخبز.. وندرة الجازولين.. وشيئاً فشيئاً انسحبت الحكومة عن المسرح السياسي.. وتركت الناس حيرى، ما الذي يحدث؟؟
لا يملك أي قيادي في الدولة قدرة تعبيرية تنفذ لعقول الناس مثلما يملك الرئيس “البشير”.. وكثيراً ما قدم الرئيس مرافعات عن أداء حكومته الاقتصادي يعجز عن ذلك الخبراء والمختصون.. وفي اجتماعات شورى المؤتمر الوطني قبل الأخيرة تحدث الرئيس بصراحة شديدة لقيادات الحزب عن مآلات الأوضاع الاقتصادية والظروف الصعبة التي ستواجه البلاد في قادم الأيام.. وكان أحق بذلك الخطاب عامة المواطنين الذين وقعت عليهم تبعات الأوضاع الاقتصادية بصورة مفاجئة وأفقدتهم صوابهم، والشعب السوداني الذي وقف مع الإنقاذ لمدة (30) عاماً يستحق التقدير.. وأن يبقى الرئيس قريباً منه.. يستمع إلى آهاته.. وتطلعاته بعيداً عن القيود التي فرضت عليه الآن، وهي قيود تخصم من رصيد الحكم وتضعف التفاف الناس حوله.. وانفتاح الرئيس على عامة المواطنين بالطبع لا يشكل خصماً على نفوذ وامتيازات ومواقع رجال حول الرئيس، ومصلحة هؤلاء في اقتراب الرئيس من الرعية، وفي ذلك إطالة لعمر الحاكم واستمرار وديمومة لمصالح حاشية السلطان لو كانوا يعقلون!!