رأي

عرس الفنان د. "عبد القادر سالم"!!

تجانى  حاج موسى
الأمسية كانت محاضرة.. وجلسة استماع وحفل كبير، تلك كانت دعوة صديقي الفنان د. “عبد القادر سالم” بنادي الفنانين قبالة النيل.. أنا لسه ما أتعودت على تسميته الجديدة باتحاد المهن وحقوا يا جماعة ما نغير أسماء مؤسساتنا العريقة لأنها أصبحت جزءاً من التاريخ!! مش؟! أخذت مقعدي في الصفوف الخلفية وبنصح كل زول جاء يحضر محاضرة أو حفل موسيقي غنائي أو ليلة شعرية يقعد ورا عشان في ناس ما عندهم شيء في مثل هذه المناسبات غير السلام بالأحضان والسؤال عن الأحوال والنظر في الهاتف الجوال والبحث عن مواقع التواصل.. طيب والمحاضرة!! والفنان!! والشاعر البيقرا ليكم في أشعارو!!
ود. “عبد القادر” بـ(الفل سوت) يتحرك، يرحب بالحضور، قال لي: تعال أقعد قدام. قلت ليهو: كده كويس.. بالمناسبة المرحوم “مهدي مصطفى الهادي” هو المسؤول الذي صدق بأحقية عقار نادي الفنانين أيام رئاسة المرحوم عميد الفنانين “أحمد المصطفى”.. وتدفق د.”عبد القادر” وأفاض بمعلومات أحاطت بخارطة الأغنية الكردفانية من حيث تاريخها وتمازجها ومكنون أسرارها. ولأنه معلم استطاع أن يجذب الحضور بلغة سهلة مبينة.. والرجل منذ غنائه لـ”اللوري حل بي وداني في الودي” لم يحد عن هذا الطريق الذي اختطه بعزيمة جعلته رسولاً لأهلنا في كردفان ليسمعوا صوتهم عبر إذاعة أم درمان التي سيطرت عليها أغنية الوسط.. قبله جاء زملاء له من فناني الغناء وأدلوا بدلوهم في إذاعة أم درمان، إلا أنهم لم يقدموا سوى القليل من كنوز تراثهم الغنائي الموسيقي التقليدي.. “عبد الله الكردفاني” و”خليل إسماعيل” و”إبراهيم موسى أبا” و”جمعة جابر” بمؤلفاته الموسيقية.. ولم يفطن معظمهم إلى إبراز فن المنطقة، بل آثروا الانصهار في فنون الوسط الأمدرمانية.. لكن الفنان الصديق “عمر إحساس” انتبه وأبرز فنه الدارفوري، وكذلك الفنان “أحمد شارف” والفنان “سبت عثمان” من أهلنا الأنقسنا حينما أدهشنا بأغنية (حليمة).
في كل مرة نتحدث عن التنوع في كل شيء الذي يمتاز به وطننا القارة، لكننا فشلنا في رسم اللوحة الإبداعية المتعددة الألوان، ولن تكتمل تلك اللوحة إلا إذا خط كل مبدع بريشته ألوان منطقته.. طبعاً أنا حزين على انفصال فنون أهلي بالجنوب الحبيب.
د.”عبد القادر” عرّف بتراث المنطقة وعرّف فن “الجراري”، ودلل بنموذج مدهش.. وأبان علاقة الغناء بنمط الحياة الكردفانية (أمك ما عواية وأبوك فاهم القراية)، هذا خطيب يقدم نفسه لأهل مخطوبته.. (فاطمة بت النبي يا محمد العلي)، ورد فضل علمه إلى موروثه الكردفاني الذي عكف على دراسته ليستخلص منه الدرر التي توجها بأطروحته لرسالة الدكتوراه التي أحرزها بامتياز بعد أن ظل يبحث في (الجراري والهسيس وغناء الحكامات).. وأبان أن (80%) من غناء أهلنا هناك ألفته النساء وهن يرسمن واقع حال الإقليم، طموحاته وآماله واستشراف مستقبله.
1976م إبان فترة المحل والعطش غنت الكردفانية (بلادنا محصورة من قل الماسورة).. و1988م عام المجاعة غنت (توب الكرب ما بيغطي الزيف).. ودلل على عدم اقتسام الفرص المتاحة في الإعلام وسيطرة ثقافة الوسط على باقي أقاليم وطننا الشاسع، وبالطبع هذا يشكل مردوداً سالباً في كون عدم تمام معرفة إنسان السودان لأخيه النائي البعيد، وهذا ما يحققه اقتسام الثروة الثقافية للأمة.. (كل ما قلت أترجى، نارك تزيد وجّة) مقطع من أغنية تراثية عاطفية أفصحت عن فصاحته مفرداتها.. يدلل ذلك على تغلغل العروبة والعرب في أصول أهل كردفان منذ سقوط الأندلس عام 1492م.. (الكياسا) رقصتها وغناها، أعطاها المركز الأول في مهرجان من مهرجانات الثقافة.. وحكا لنا عن استفادته من التراث حينما قدم (جيناكِ زي وزين هجر الرهيد يوم جفّ)، وقد استقاها من جملة نغمية منطوقة وملأها نصاً الصديق الشاعر المفكر “فضيلي”.
الأمسية كانت دسمة بمعنى الكلمة.. قدم لنا د.”عبد القادر” طبقاً به تفاح وتمر وحلوى وبسكويت و”موية صحة”، لكن المناخ الشتوي والتسجيلات المرئية التي بثها لنا عبر الشاشات وغناءه الحي وعزف الأوركسترا والرقص الرائع الذي صاحب الغناء من فرقة الفنون الشعبية أعطى الأمسية درجة عشرة من عشرة.. والجمهور موعود ببثها في إحدى الفضائيات.. كتر خيرك أيها الأخ الصديق الفنان الملتزم الواعي بدور الفنون في تثقيف الأمة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية