الديوان

صرخة عبر (المجهر) بعد إغلاق معهد القابلات : الزائرة الصحية أو (الداية) .. الحضور الغائب..!!

الكل يعرف الزائرة الصحية أو (الداية) قديماً وحديثاً، وكيف أنها تحل برداً وشفاء بين النساء (الحُمّل).. توجه، تحث، وتبث الثقافة الصحية.. وتعتبر الزائرة والداية هي صمام الأمان في كل حي.. لما تقوم به، وما أن تحل بين قوم إلا وتجد حفاوة الاستقبال، وفي المقابل تشعر تلك القابلة أو الداية أو الزائرة الصحية بفخر بما تقوم به من دور إنساني بين أهلها في الحي أو بعيداً عنه، لكن تبدل الحال واختفت عظمة المهنة وباتت طاردة، واختفى طوق النجاة الذي كان حاضراً بين الأهالي في الحي والمدينة بفعل الظروف التي حلت على المهنة، فباتت مهمة الزائرة الصحية نسياً منسياً إلا في أحايين ومساحات قليلة.
{ خطوة للإنقاذ.. ولكن!!
وكان رئيس الجمهورية قد أعلن ترفيع القابلات (الدايات) والزائرات الصحيات، وذلك بأن يحصلن على درجة البكالوريوس، وأن يُدرجن في الهيكل الوظيفي تبعاً لوزارة الصحة، وبهذا النبأ أعاد الحياة لتلك المهنة الإنسانية من جديد بعد أن قتلها الإهمال، وفرحت به جموع الزائرات والقابلات بالسودان، وأحسسن حينها بمكانتهن ووزنهن في المجتمع، فهن اللاتي يرى أطفال السودان نور الحياة على أيديهن.
{ واختفت المدرسة الشهيرة!!
لكن (الدايات)، أو كثيرا منهن، يرين أن ظلماً وإجحافاً قد طال المهنة، وقد زارت (المجهر) أكثر من (15) زائرة صحية ومدرِّسة بمعهد القبالة، يحملن هموم إغلاق المعهد الشهير قبالة (بوابة عبد القيوم)، بعد أن كان يغذي مدارس القبالة بولايات السودان.. وقلن للصحيفة: (تم إغلاق معهد القبالة فجأة، لتحل محله أكاديمية للصيدلة، وذلك دون علم المدرّسات)، وأكدت الزائرات الصحيات – وهن يعملن بمراكز صحية بجميع محليات ولاية الخرطوم وبعدد من المستشفيات الحكومية – أن قرار الرئيس بشأن ترفيع الدرجة العلمية للعاملات بالحقل لم ينفذ حتى الآن.
{ تاريخ عريق
وكانت أول خطة تضع لتدريب القابلات بالسودان في العام 1621م، عندما طلب الحاكم العام الانجليزي من الممرضة البريطانية (مسس وولف) إنشاء المدرسة، وكانت أول عميدة لمدرسة قابلات أم درمان، وفي عام 1942م كان عدد الخريجات (6)، ومقر المدرسة قبل نقله لأم درمان في العام م1948 بالمتحف القومي، وكان لاختصاصي النساء والتوليد النطاس حينها “د. عبد الله أبو شمه” الفضل في استئجار المقر بالقرب من بوابة عبد القيوم.
{ حسرات!!
وتقول (الداية )”أم جمعة” من محلية جبل أولياء: إن إغلاق المعهد يعد كارثة، لأن الأرياف ما تزال بحاجة للقابلة. وتضيف القابلة “فاطمة شطة” من (مركز صحي أم درمان): إن الزائرة الصحية تبدأ كـ (ممرضة قابلة) بعد أن تقضي عامين على الأقل في الخدمة، تدخل بعدهما مدرسة الزائرات الصحيات لتقضي بها عامين، وتتخرج بعدها لتعمل في المراكز الصحية كمقدمة خدمة، لافتة إلى دور الزائرة الصحية بجانب تدريبها للقابلات، إذ تدرب طالبات الجامعات على القبالة وتقانة الصحة الإنجابية، وعبرت عن حسرتها لغياب جزء كبير من ذاك الدور الذي كانت تقوم به في السابق.
وتؤكد “أم الحسن النور” من (مركز الفتح 1) أن الزائرة الصحية هي (الساس والرأس)، وتقوم بأدوار عظيمة يصعب أن تقوم بها الكوادر الطبية الأخرى، بجانب متابعة الحامل وتقديم الإرشادات الصحية بالأسواق والأحياء ودرء الكوارث، وأكدت أن استشاريي النساء والتوليد يقدرون جهودهن في تدريب طالبات الجامعات، وأبانت أن بمركزها حوالي (25) طالبة من جامعة الأحفاد يتلقين التدريب على يدها، مبينة أن إغلاق المعهد معوق لمستقبل القبالة في السودان ونادت برفع الظلم عنهن.
أما “فاطمة سليمان” التي تعمل بمركز (أبو زمام الكباشي) فتذكر بعمل الزائرة الصحية بالأرياف والبادية ومناطق الشدة، فذ توَّلد النساء في ظروف صعبة مع التحصين والإرشاد في مناطق داخل حدود العاصمة الخرطوم ما تزال فيها الرعاية مفقودة، حيث تمارس فيها ولادة الحبل وختان البنات وزواج القاصرات، وذلك في قرى تعاني الفقر وعدم الغذاء المناسب للحوامل والمواليد وفي أمس الحاجة للصحة، وذكرت بعض القرى التي عملت فيها مع تلك الظروف منها (سويف، أم قفلة، عجنت وجعيرين وأم حروت) بغربى أم درمان.
أما “ست حواء أحمد” من مركز صحي الرفاء بأمبدة، فذرفت الدمع على إغلاق المدرسة، وقالت: هي التي قام على أكتافها إعداد الزائرة الصحية والإشراف على نتيجة الامتحانات للدارسات وملف ابتداء الخدمة والشهادات المدرسية والوصف الإداري.. والى ذلك فإن الاهتمام بالقبالة يمثل إستراتيجية مهمة لخفض وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، وكانت منظمة الصحة العالمية، قد أشارت مؤخراً في تقرير عن القبالة، بأنه يجب توفير المزيد من القابلات الماهرات لإنقاذ أرواح النساء تماشياً مع أهداف الإنمائية الألفية، بعدما أشارت إلى الدور الأساسي الذي تؤديه القبالة في العالم في تحسين معدلات صحة الأمهات والمواليد.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية