اليوم العالمي للشباب.. قضايا عالقة وآمال بعيدة
تقرير – رشان أوشي
لطالما اعترض شباب الأحزاب السياسية المعارضة والمشاركة في السلطة على ضعف تمثيلهم كقوى حية، وطالب كثير منهم بضرورة إعادة صياغة مواقع القيادة التنظيمية والتنفيذية لتستوعب الكم الهائل من الشباب الفاعلين في الأحزاب السياسية، وحمّلوا القيادات التاريخية لتلك القوى مسؤولية إبعادهم عن مراكز اتخاذ القرار تعطيلاً للتجديد الذي ينادي به هؤلاء.
بلغ الرفض والغضب بكوادر الأحزاب السياسية خاصة ناحية المعارضة، أن أنشأوا حركات شبابية تحمل نفس لافتات التغيير، ولكن من يملكون زمام الأمور فيها الشباب، يعارضون وفقاً لرؤيتهم التي قبرتها القيادات التاريخية للأحزاب، حيث خرج قطاعا الشباب والطلاب عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة “الميرغني”، وكونا ما سمياه بالعهد الثاني للحزب، وتمرد أغلبية طلاب وشباب حزب الأمة القومي بعد أحداث سبتمبر 2013م، وطالبوا رئيس الحزب في لقاء جماهيري بضرورة اتخاذ موقف واضح، وعلت أصوات شباب حزب المؤتمر الوطني الحاكم، مطالبة بإشراكهم في مراكز اتخاذ القرار في الدولة والحزب وربما هو الحزب الوحيد الذي استجاب لمطالب شبابه، ودفع بهم إلى مواقع حساسة في التنظيم والجهاز التنفيذي، (حامد ممتاز، ياسر يوسف، أبو القاسم بركة.. الخ).
{ آراء
عدّ القيادي الشاب بحزب البعث العربي الاشتراكي “محمد خليفة” في إفادته لـ(المجهر) عزوف الشباب عن العمل السياسي ظاهرة عالمية يمكن تفسيرها بضعف الهاجس السياسي اليوم مقارنة بزخمه في فترات سابقة، لذلك فإن نشاطه لم يعد يستقطب نسبة كبيرة من الشباب، أما في السودان فلهم مشاغل أخرى بعيدة عن الاهتمامات السياسية، فهم في حالة بحث مستمر عن العمل والاستقرار والاستقلالية الاقتصادية، وهذا يتطلب جهداً وزمناً كبيرين خاصة في بلادنا التي تعاني من التدهور الاقتصادي والفساد والمحسوبية.. هذا الانشغال الشديد بلقمة العيش يؤثر سلباً على اهتمامات الشباب بالعمل السياسي، إضافة إلى ارتباطهم بالفترة الجامعية والحياة الطلابية، حيث نجد أن النظام الحاكم في البلاد قد حوّل سوح الجامعات إلى ميادين قتال وعنف بدلاً عن الممارسة السياسية الرشيدة التي قوامها الحوار والنقاش المتحضر.. هذا الأمر أدى بالطلاب للابتعاد عن العمل السياسي بإرادتهم أو عن طريق ضغوطات أسرية خوفاً عليهم.. هذا بالإضافة إلى الخطاب السياسي الذي تقدمه الأحزاب السياسية في الجامعات، حيث نجده خطاباً ضعيفاً ومكرراً ومعاداً وغير جاذب للطلاب بوسائله المكررة وغير الجاذبة التي لا تناسب أجيال اليوم بالجامعات.. ومن ثم بعد التخرج وعندما يصبحون شباب الغد فبالضرورة نجدهم عازفين عن العمل السياسي الذين هجروه في حياتهم الطلابية، إضافة إلى عامل آخر مرتبط بشكل أساسي بالأحزاب السياسية نجده في ضعف الديمقراطية الحزبية وهيمنة ثقافة الخلاف بدلاً عن الاختلاف، وانعدام الحراك السياسى الفعلي، وغياب التصور الشامل في برامج الأحزاب لقضايا الشباب، بالإضافة إلى عدم قدرة الأحزاب على خلق خطاب جديد وجاذب يجذب إليها الشباب وبقاء وسيطرة الخطاب المتآكل العاجز عن تلبية مطالب وطموحات الشباب.
بينما يرى رئيس الهيئة القومية للمبادرات الوطنية في إفادته لـ(المجهر) أن أغلب الشباب أصبحوا عازفين عن المشاركة السياسية بعد اكتشافهم أنهم وقود يتم استخدامهم من قبل الكبار ولا يتم إشراكهم في الأمور بصورة حقيقية، وتقييد سن الترشح للمناصب القيادية في الدولة بـ(٤٠) سنة ألقى بظلاله على طموح الشباب في تقليد المناصب.. الشباب (لم يشوفوا) أنفسهم في مجلس الوزراء القومي.. على المستوى الحزبي الأحزاب لم تهتم بتدريب الشباب على الممارسة السياسية ولم يظهر الشباب في قيادة المواقع المفتاحية في الأحزاب، ويتم حجزهم في أمانة الشباب والطلاب فقط وليس سواها هذه الممارسات جلها أحبطت الشباب في الممارسة السياسية، إضافة إلى أن الظروف الاقتصادية الأسرية جعلت اهتمام الشباب منصباً في العمل من أجل لقمة العيش نسبة للمسؤوليات الملقاة على عاتقهم وعدم الممارسة الديمقراطية في منهج الأحزاب، والدولة أيضاً أحد الأسباب.
في ذات السياق، يعزو القيادي الشاب بحزب المؤتمر الشعبي “مؤتمن أبو الحسن” ابتعاد الشباب عن العمل السياسي إلى حالة الإحباط العامة والإحساس بعدم جدوى أي فعل يصب في عملية التغيير، وحالة الإحباط هذه سببها غياب النموذج الأمثل في الفكر والممارسة لدى الأحزاب السياسية، غير أن معظم الأحزاب السياسية سواء أكانت يمينية أو يسارية في السودان عاجزة تماماً عن استيعاب طاقات الشباب المتجددة وإفساح المجال لهم في قيادتها برؤى جديدة تعبر عنهم وعن تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل، وكذلك لا يفوت على فطنة الشباب الطريقة الانتهازية من قبل الحرس القديم في تعاملها مع الشباب بحيث يعدّونهم مجرد (كتوف) يُحملون عليها لبلوغ أمجادهم الخاصة.
وظلت قضايا الشباب موضوعاً مثيراً للجدل، حظي باهتمام الكثيرين في محاولة لإيجاد مبررات للركود في مجالات الحياة كافة وسطهم.