الأثرياء في السجون
تحقق السلطات العدلية مع عدد كبير من الأثرياء ورجال المال منذ فترة ليست بالقصيرة، وجميعهم متهمون في قضايا فساد لا يعلم تفاصيلها الشارع العام.. ولا ترغب السلطة في الكشف عن أسباب توقيف رجال الأعمال، ولا يحرصون هم على كشف الأسباب التي أدت لتوقيفهم.. بعض من رجال الأعمال تم إطلاق سراحهم بعد اعتقال لعدة أيام، وكل المفرج عنهم ينصرفون لحالهم في صمت، لم يتحدث أي منهم لصحيفة أو موقع تواصل اجتماعي، فأمسك الجميع ألسنتهم ستراً لحالهم.. وفي حديثه يوم أمس الأول بدد الرئيس “عمر البشير” الشكوك التي أثيرت حول حملة درء الفساد واستئصاله من جسد الدولة العليا بتأكيده على سرية التحريات حتى لا يغتال الأبرياء دونما تثبت.. وتشوه سمعة الناس وتتأثر الأسر ويحدث الخراب والفتنة في المجتمع.. وما بين العزم والإرادة السياسية لمحاربة الفساد وإحقاق الحق، وبين التشهير واغتيال الناس معنوياً وسياسياً واجتماعياً خيط رفيع جداً.. في الرأي العام ووسط عامة الناس تنامى السخط الشعبي على الفاسدين.. وارتفعت أسهم الرئيس كثيراً في الفترة الأخيرة بسبب سياسات الحرب على الفساد التي يقودها جهاز الأمن والنيابة العامة.. وافتتاح وحدة التحقيقات في قضايا الفساد تمثل خطوة هامة جداً.. خاصة وأن الوحدة التي افتتحت معلنة وفي قلب العاصمة بالقرب من مجلس الوزراء ورئاسة القضاء.. وليت السلطات جعلت من تناول أخبار الوحدة.. مشاعاً للرأي العام وأنشطتها مفتوحةً للناس.. ويصدر قانون من البرلمان يحمي المتطوعين من الموظفين في القطاعين الخاص والعام، الذين يبلغون عن الفساد.. وليت وحدة التحقيقات استفادت من تجربة نيجيريا التي غسلت ثيابها المتسخة في العهد الحالي للرئيس “بخاري” حتى انتقلت من “أفسد” دولة في أفريقيا إلي وضع أفضل بكثير .. ونيجيريا منحت المبلغين عن الفساد حوافز مالية كبيرة .. ولتنزانيا أيضاً تجربة في محاربة الفساد ..ويمكن للسودان أن يتعلم ممن سبقوه في نظافة ثيابهم.
ووجود الأثرياء في السجون والمعتقلات له أثاره السلبية والإيجابية.. فمن ناحية يؤسس لقاعدة عدالة ومساواة وتعافٍ سياسي واقتصادي.. وتستعيد الدولة ثقة العالم الخارجي بأدائها المالي، والآثار السالبة تتمثل في هروب رأس المال الوطني في حال شعور البعض بالظلم.. وحبس المتهمين بالثراء دون تقديمهم للقضاء الذي ترضي أحكامه الجميع.. من طرائف وقصص حبس الأثرياء، وأثر ذلك على الضعفاء والفقراء في المحابس، قصة السياسي ورئيس اتحاد مزارعي النيل الأزرق الرجل الشهم الكريم “باكاش طلحة” حينما وضع في السجن بتهمة توزيع السماد على المزارعين دون ضوابط إدارية وتحرير شيكات بملايين الجنيهات من غير رصيد.. ذهب “باكاش” إلى السجن بأم درمان ووجد أكثر من خمسين سجيناً عاجزين عن سداد غرامات مالية لا تتعدى الخمسة والعشرة آلاف من الجنيهات.. تبرع المسجون “باكاش” بإطلاق رفقاء الدرب وسدد أكثر من مائة ألف جنيه ليذهبوا طلقاء ويبقى هو إلى حين السداد حتى كتب الله له مخرجاً من السجن ونُقل غريمه اللدود “حسين أبو سروال” إلى أقاصي غرب السودان.. فهل تمتد الأيادي البيضاء لرجال الأعمال أمثال “فضل محمد خير” و”أسعد كرتي” لجيرانهم الجدد في المحابس فيدفعون من حر مالهم لفك عُسر من هم في المحابس عجزاً عن سداد ما في أعناقهم من غرامات؟؟ وبذلك يصبح السجن مستشفًى والمنفى حريةً.