* تنتج مواقع التواصل الاجتماعي يومياً عشرات (الشخصيات الإسفيرية خاوية المحتوى).. يتقدم كثيرون منهم إلى الشهرة من أبوابها الواسعة بسياسة ما يُسمى بلغة الأسافير (الردم).. هذه الشخصيات الكرتونية التي تصبح نجوماً بين عشية وضحاها ليس لهم من مواهب سوى أنهم ارتضوا أن يكونوا (أضحوكة) أو مادة شبه يومية للتندر والسخرية لرواد تلك المواقع الذين يبحث أغلبهم عن (الترفيه) الوقتي..
*كيف يرتضي شخص لديه عقل يفكر أن يكون مدخله لهذه النجومية أن يصبح (ملهاة)؟.. ويتبارى في السخرية آلاف المدونين.. ففي عرف المواقع الإسفيرية كلما كثر المعلقون للسخرية.. زادت حظوظك في اكتساب شهرة إضافية..
* أن يرتضي شخص ما إن يجعل نفسه (تختة) لتلقي هجوم المتداخلين إسفيرياً هو بالتأكيد شخص يعاني من خلل ما..
* في البال عدد كبير من مشاهير هذه المادة أصبحوا الآن (نجوماً) على مواقع التواصل الاجتماعي يحصدون الآن على العدد الأكبر من التعليقات و(اللايكات)..
* ربما أن كثيرين يقولون إن إيراد أسماء هؤلاء سوف يزيد من نصيبهم في الشهرة، قد يكون الأمر حقيقياً.. ولكن لمناقشة أية ظاهرة لابد من إعمال (مبضع الجراح) حتى وإن كان موجعاً وصادماً، ولأن الحديث عن هذه الشهرة الكرتونية ودراسة حالة نماذج منها لا يمكن أن يتم بالتعميم دون إيراد شخصيات الآن صارت موجودة ونالت شهرتها من (الأبواب الخلفية).
*هذه الشهرة التي يطلق عليها الشهرة (السلبية) ربما لم تكن جديدة في المجتمع السوداني وخاصة في المجال الفني.. فاذكر أنه في صحيفة (فنون) يجىء إلينا عدد كبير من الفنانين الناشئين وقتها والباحثين عن شهرة سريعة حتى إن كانت بأخبار سلبية..
*أحد المطربين جاءنا صباحا معفر الوجه ومقطب الملامح ويبدو عليه آثار الإرهاق.. وأخبرنا أن ننشر خبراً بأنه بات ليلته في السجن لأنه تشاجر مع أحد زملائه وأوسعه ضرباً ولكماً.. وشدد علينا كثيراً بضرورة أن ننشر الخبر في الصفحة الأولى.. الغريب في الأمر أنه قدم إلينا صوراً جديدة له وهو (يتموضع) بأوضاع مختلفة للكاميرا..
*مطرب آخر مغمور جاءنا وقال إن إحدى الفتيات صفعته بالـ(كف) على وجهه وإنه سامحها لأن (أصله طيب).. ولم ينسَ أن يقدم لنا أيضاً صوراً جديدة لنشرها..
* ولكن كان أكثر من أثار استغرابنا هو أحد الفنانين الشباب الذين أصبحوا اليوم من المطربين المعروفين.. أتى إلينا صباحاً وهو يتلوى من الألم.. ويرسم على وجهه علامات التحسر والوجع.. وكان وقتها لم يسمع به أحد ولا رأى أحدهم (تنطيطه).. أبلغنا أن مطرباً جماهيرياً كبيراً جداً ضربه بالـ(الشلوت) على بطنه وإنه كان من الممكن أن يفتح في مواجهته بلاغاً جنائياً ولكنه لا يريد استعداء الجمهور عليه.. وعندما سألناه عما يمكن أن نفعله له أجاب بأنه يريد أن ينشر الواقعة في الجريدة.. ولم ينسَ هو أيضا أن يمدنا ببعض صوره (البهلوانية)..
* لم يقتصر الأمر على رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمطربين الشباب من اللهث وراء نجومية العبث ولكن كان للمذيعات نصيباً أيضاً، فقد أتت إلينا مذيعة ناشئة وقتها وطلبت منا أن ننشر خبراً عن أنها تلقت وعداً من أحد المطربين الشباب الذين كان اسمهم يصعد بقوة في ذلك الوقت بأنه سيتزوجها.. وعندما سألناها عن دورنا في (مشروع الاقتران هذا) قالت إنها تريد أن تنشر الخبر ليعلم الجميع أنها (خطيبة النجم المعروف)..
*تلك نماذج بسيطة ولكنها تؤشر على الحالة الذهنية المرتبكة التي يعيش فيها عدد كبير من الشباب هذه الأيام.. أن يرضوا بكل أنواع الذل والمهانة والسخرية حتى يصبحوا فقط (من مشاهير البلاد ونجومه) وهي حالة ربما لم تكن موجودة قبل ذلك.. فما هي الفائدة سوف يجنيها الشخص في أن يكون (مشهوراً بغبائه أو سماجته أو مفضوحًا ومكشوف الوجه)..
*ربما أن الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتعمق..
*ولكن لابد من الإشارة إلى شىء مهم للغاية وهو أن غالبية هؤلاء من شباب السودان الذين طحنتهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية وأصبح بعضهم ضحية لكثير من المعتقدات الخاطئة.. فصاروا ضحايا بدلا من أن يكونوا جناة..
مسامرة أخيرة..
أﺻﻠﻮ ﺍﻟﺒﺼﻮﻥ ﺣﺒﺎﻧﻮ
ﺑﺘﻌﻠﻢ ﻳﺼﻮﻥ أﻭﻃﺎﻧﻮ
ﻭﺍﻟﺨﺎﺋﻦ ﺑﺨﻮﻥ ﺩﻭﻥ اﺧﺘﺸﺎﺀ