أخبار

خربشات

(1)
انهت إثيوبيا واريتريا قطيعة عشرين عاماً.. وذرف الرئيسان الشاب الثائر “أبي أحمد” رئيس وزراء إثيوبيا والرئيس “أسياسِ أفورقي” دموع الاعتذار عن الماضي البغيض.. حرب أشقاء ودموع وأحزان.. وقطع أوصال أرحام الشعب الواحد في البلدين.. وبعد الدموع.. كانت الابتسامات.. وتبادل الضحكات رغم أنين جرحى الحرب في المستشفيات، ودموع الأرامل وثكالى حرب مجنونة طحنت البلدين في لحظات اللا وعي التي أعقبت انفصال اريتريا عن الدولة الإثيوبية.. ذكاء الإعلام الإثيوبي حول الرئيس “أبيي أحمد” ظل يقدم الرئيس الشاب في صورة زاهية.. تواضع وتفاؤل وقفز فوق المتاريس وسير على الأشواك.. ولغة الجسد أصبحت أكثر تأثيراً على المتلقي من تعابير الوصف البلاغية.. نجح إعلام إثيوبيا في تقديم رئيس الوزراء الجديد في ثياب البطل المنقذ.. والقديس الوديع.. والجنرال الشجاع والطبيب الإنسان.. بثت وسائل التواصل الاجتماعي صورة تجمع “أسياسِ أفورقي” و”أبيي أحمد” أمامهما فتاة تعرض بضاعتها في قارعة الطريق.. الرئيسان ترجلا من سيارات البروتوكول الفارهة.. وتناولا قطعاً من الفاكهة التي تعرضها الفتاة الجميلة.. “أبيي أحمد” يتناول الفاكهة بشهية مفتوحة.. وتحت أقدامه (جردل) قديم مليء بالإنتاج الاريتري.. صورة إيحائية استخدمت بذكاء للتعبير عن المرحلة القادمة بعد المصالحة الاريترية الإثيوبية.. وبزوغ عهدٍ جديد في القرن الأفريقي.. وكتابة السطر الأول لتجاوز مخاض الانفصال والقطيعة النفسية.. بسبب آثار الانفصال الاريتري عن إثيوبيا الذي وجد مقاومة من الدولة الإثيوبية العميقة.. ولولا وجود شخصية مثل “ملس زيناوي” لتعرض الاستفتاء الذي قاد اريتريا لنيل حريتها لنكسات ونكبات ولا يزال داخل العمق الإثيوبي مراكز قوى رافضة حتى لمبدأ التصالح والتصافي والتسامي فوق الجراحات خاصة من قبل (الأمهرا) القومية التي تشكل القوة الفاعلة في مفاصل الدولة الإثيوبية.. وجاء الرئيس “أبيي أحمد” من أغلبية الأرومو برؤية جديدة لإثيوبيا الحديثة.. فاجأ المراقبين بمواقفه المثيرة للجدل من جهة الخلاف مع مصر.. والصراع مع إثيوبيا.. والتوغل خليجياً بتجسير علاقات مع بلدان الإمارات والسعودية واستطاع الإثيوبيون تقديم رئيس وزراء بلادهم الجديد في صورة زعيم أفريقي أعاد للأذهان ذكرى “أحمد سكتوري” رئيس دولة غينيا و”كوامي نكروما” الرئيس الغيني.. و”جمال عبد الناصر” و”معمر القذافي”.. ولكل من هؤلاء طريقته في إدارة دولته.. وعلاقاته مع الآخرين.
وإذا كان الرئيس الإثيوبي قد وضع في أولويات بلاده تجفيف الدم وحينما شعر بأن فرقاء دولة جنوب السودان أقرب وجدانياً إلى السودان الشمالي.. وخبرة الرئيس “البشير” الطويلة هي الأنسب لإطفاء حريق النيل لم يُبدِ ممانعة من نقل المفاوضات إلى الخرطوم رغم أن الحق الذي منحته إياه دول (الإيقاد) يجعل من إثيوبيا مقراً للمفاوضات الجنوب سودانية.. وذهب “أبي” باتجاه تجفيف دماء النهضة والساحل وأعلن موافقته غير المشروطة على قرار لجنة الأمم المتحدة الصادر في عام 2002م، بمنح اريتريا بلدة حدودية (بادمي) فوراً.. وهو القرار الذي لم يستطع اتخاذه “زيناوي” ومن بعده “ديسالين” لكن “أبي أحمد” مضى مسرعاً في تكسير حواجز الأوهام وأنهى الصراع الدامي.. وتقدم على “أفورقي” بإقباله على اريتريا التي بينهما وإثيوبيا منافع مثل التي بين السودان وجنوبه، لكن النزاع المهلك أقعد الدول الأربع.. قبل أن يفيق زعماء إثيوبيا والسودان واريتريا وجنوب من سكرة العداء الأعمى لفضاء التعاون المبصر.
(2)
كثير من السودانيين شغلتهم ديانة رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد” عن أفعاله.. واختراقاته.. وصورته الزاهية في الإعلام العالمي.. وسال المداد وتعددت المقالات التي تتحدث عن وصول أول مسلم لرئاسة دولة إثيوبيا مهد المسيحية في أفريقيا.. وكتب “مبارك الكودة” القيادي الإسلامي الناقد لنظام الحكم والناقم على المؤتمر الوطني ورئيسه “البشير” نافياً عن الرئيس “أبي أحمد” انتمائه للإسلام، وقال “الكودة” إن والده مسلماً ولكنه اعتنق الديانة المسيحية.. وجدل السودانيين عن عقيدة الرئيس الإثيوبي يعبر بصدق عن انصرافية.. وانشغال بقشور الأشياء.. فالإثيوبيون أهل الشأن لم يهتموا كثيراً بديانة رئيسهم بقدر اهتمامهم بأفعاله وبرنامجه الإصلاحي وانشغالاته وأولويات حكومته.. وإثيوبيا دولة أغلب سكانها من المسيحيين لكنها لا تهتم كثيراً بالفروقات الدينية والطائفية والمذهبية.. مثل اهتمامات السودانيين القشرية وهم في شغل عن كل إشراقات الحكم الجديد في إثيوبيا والتطورات الكبيرة في القرن الأفريقي وتداعيات ذلك على السودان والصومال وجيبوتي، لكنهم شغوفون بحجاب زوجة الرئيس ولون فستانها.. وكان السودانيون أكثر شغفاً بوالد الرئيس الأمريكي السابق “أوباما” وأصوله الكينية وديانته أكثر من سياسات “أوباما” الخارجية وأثرها على المنطقة والإقليم!! وإسلامية الرئيس الإثيوبي أو لا إسلامية من الشكليات والزخارف، وكان حرياً بالنخب والكُتاب والصحافيين الاهتمام بأفعال الرئيس الإثيوبي وسياساته والنظر عميقاً في كيف نجح الرجال الذين يحيطون بالرئيس “أبي” تقديمه للرأي العام وكيف تم توظيف الصورة في التعبير عن شخصية الرئيس المتواضع جداً.. وأثر التواضع على شعبيته ورصيده في المنطقة الأفريقية؟ بدلاً من الجدل غير المفيد عن ديانة الرئيس وملابس زوجته.. ما أكثر الرؤساء الذين ينتمون قشرياً للإسلام لكنهم يحاربون الإسلام ويخدمون أعداءه.. ويقتلون المسلمين وتفيض سجونهم بأهل القبلة.. وهناك رؤساء من النصارى ولكنهم يقدمون الخير للمسلمين يغيثون الجائع والمحروم.. ويعدلون بين الرعية حتى أصبحت البلاد التي نسميها بلاد الكفر ملاذاً للأحرار وضحايا الأنظمة التي تنتسب للإسلام.. ما لكم كيف تنظرون.
(3)
اليوم مباراة القمة السودانية بين الهلال والمريخ الباحثين عن التتويج ببطولة الدوري الممتاز، بعد خروج المريخ من البطولة الأفريقية واقتراب الهلال من اللحاق به، بعد أن تواضع في المباريات التي لعبها في البطولة الكونفدرالية التي هبط إليها من البطولة.. الكبيرة.. أوضاع الفريقين متباينة.. المريخ جسده مثخن بالجراحات أثر التدخل المتعسف من حكومة ولاية الخرطوم، ومحاولتها إلغاء حكم الديمقراطية وتنصيب الشموليين من الموظفين لقيادة النادي.. وخسر الفريق آخر المباريات أمام هلال الأبيض وهو منقوص من خدمات أفضل اللاعبين، لكنه يخوض مباراة اليوم كأسد جريح.. وفارس لا يرضى الهزيمة، وفي حال نجاحه في هزيمة الهلال فإن نصف مشاكل المريخ تحل تلقائياً.. أما الهلال الطرف الآخر.. فهو مستقر إدارياً ولكنه مزعزع فنياً.. وفقد الفريق أعمدته الرئيسية بسبب سياسات رئيس النادي الذي يتدخل في الشأن الفني.. ويبدل المدربين كل ثلاثة أشهر يذهب مدرب ويأتي آخر.. ومباراة اليوم تعتبر اختباراً لجاهزية الفريق للاستحقاق الأفريقي بعد أيام من المباراة، فهل يكسب الرهان وينال من شباك المريخ أو يمسح أولاد “جعفر قريش” أحزانهم في ثياب (الكردينال).
وكل جمعة والجميع بخير..

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية