تقارير

أصبحت مصدراً للحساسيات: زيارة البشير إلى جوبا .. المبررات والمخاوف!

ما إن تأتي سيرة زيارة رئيس الجمهورية إلى عاصمة دولة جنوب السودان جوبا، إلا ويُثار غبار كثيف من قبل مشفقين – خاصة من جماعة منبر السلام العادل بقيادة “الطيب مصطفى” – على الرئيس من مغبة الزيارة إلى الدولة الجديدة التي لا يثقون فيها  البتة، كما أن غيرهم وفيهم قيادات في حزب المؤتمر الوطني الحاكم لا يرون ضرورة لزيارة الرئيس لجوبا على الأقل في الوقت الحالي. ومع هذه الأصوات المعترضة والمتحفظة تجري الترتيبات على قدم وساق لإنجاح هذه الزيارة خاصة من الدولة المستضيفة والمجتمع الدولي ممثل في مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان وجنوب السودان “هايلي منكريوس” والوسيط الأفريقي راعي اتفاقيات التعاون الموقعة بين البلدين “ثامبو أمبيكي”. وفي أمس القريب كون مجلس وزراء حكومة الجنوب لجنة عليا من وزراء ومسئولين مُنحت صلاحيات  واسعة مهمتها الإعداد والتأكد من نجاح الزيارة. وقال وزير الإعلام، الناطق الرسمي باسم حكومة الجنوب “برنابا بنجامين”، خلال اتصال هاتفي مع (المجهر): (إن جنوب السودان يرحب بزيارة الرئيس “عمر البشير” إلى جوبا .. وسنفعل كل ما في وسعنا من أجل إنجاح هذه الزيارة.. ونحن نرى أن الزيارة ستسهم في تطوير العلاقات بين البلدين وستعطي دفعة كبيرة لاتفاقيات التعاون التي وقعها مع الرئيس “سلفاكير “) . كما أن “منكريوس” قد أكد، للصحافيين في جوبا بعد أن التقى “سلفاكير”، أن الأخير أكد له أن “البشير” سيزور جنوب السودان . وقال إن زيارة “البشير” لجوبا حتمية وأنها فرصة طيبة لمناقشة القضايا المعلقة مثل قضية أبيي، ووصف “منكريوس” خطوة الزيارة بالإيجابية، معلناً دعم الأمم المتحدة لها لأنها تسهم في التطبيق الجيد لاتفاقيات التعاون الموقع بين البلدين في أديس أبابا.  أما بالنسبة للوسيط الأفريقي فإنه ظل يستمر في مطالبة “البشير” كلما التقى به في العاصمة السودانية أو العاصمة الأثيوبية بزيارة جوبا ورد الزيارة التي قام بها نظيره من جنوب السودان إلى الخرطوم. وينزلق سؤال بدهي  هنا وهو: لماذا تصر قيادات الجنوب ومن خلفهم المجتمع الدولي على زيارة البشير إلى جوبا مع الاعتراضات والتحفظات الموجودة لدى البعض في الخرطوم؟.
ويجيب سفير دولة الجنوب بالسودان “ميان دوت وول” على السؤال ويقول إن الزيارة ستسهم في تعزيز وتنفيذ اتفاقيات التعاون وتعطيها دفعة كبيرة. وقال خلال حديثه لـ(المجهر) في وقت سابق: (تخيل أن الرئيس “البشير” ذهب إلى جوبا ووجد استقبالاً رسمياً وشعبياً ثم خاطب شعب جنوب السودان وطمأنهم بنفسه على مستقبل العلاقة بين البلدين .. فكيف سيكون تأثير ذلك على شعبي البلدين؟ أعتقد أن الزيارة ستفتح الباب واسعاً أمام مزيد من الاستقرار بين البلدين .. وهي فوق كل ذلك رد للزيارة التي قام بها “سلفاكير” إلى الخرطوم). وذات المبررات للزيارة ساقها وزير الخارجية “علي كرتي” عندما اعتبر أن زيارة الرئيس إلى عاصمة الجنوب ستعزز من الاتفاقيات وستبني أرضية خصبة لعلاقات حسن جوار بين البلدين. ومع أن “كرتي” اشترط، خلال حديثه للإذاعة السودانية يوم أمس، قيام الزيارة إلى جوبا بعد تحسن الأوضاع الأمنية، إلا أنه من أكثر المتحمسين لها من خلال تصريحاته المتكررة حولها. ولا يرى رئيس تحرير صحيفة “سودان فيشن “سيف الدين البشير” مبرراً لزيارة الرئيس إلى جوبا في الوقت الحالي. وقال، خلال تحليله لصحف الأمس بالتلفزيون القومي: (أنا لا أرى مبرراً لهذه الزيارة حالياً..”البشير” يمكنه أن يزور القاهرة أو قطر أو أي من الدول الصديقة أما جوبا فلا أرى أن هنالك سبباً يدعوا الرئيس للذهاب إليها..لأنه لا توجد اتفاقيات أو بروتوكولات من أجل توقيعها .. وأرى أن الزيارة تندرج في إطار العلاقات العامة).
أما أكبر المخاوف التي يثيرها الرافضون لزيارة “البشير” لجوبا  هو خوفهم من أن يقوم الجنوبيون بتسليم الرئيس إلى محكمة الجنايات الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم إنسانية في دارفور، خاصة وأن الجنوب كدولة قد وقع على الميثاق المؤسس للمحكمة الجنائية وينوي الانضمام له بصورة رسمية. وتزداد مخاوف هؤلاء مع بروز أصوات قوية تمثلها منظمات المجتمع المدني وبعض الناشطين تطالب حكومتهم بالقبض على “البشير” متى ما وطئت قدماه ترابهم وتقديمه للمحكمة. وفي هذا الصدد يقول المتحدث باسم حكومة الجنوب: (إن القيادة في الحكومة بمن فيها الرئيس “سلفاكير” لن يقدموا على أمر كهذا .. وموقفنا معروف ومعلن وهو أننا لن نقوم بتسليم الرئيس “عمر البشير” إلى محكمة الجنايات بعد أن قدمنا له الدعوة). وتابع “مريال” يقول: (صحيح أن هنالك أصوات تنادي باعتقال “البشير” لدى قدومه إلى جوبا لكننا لن نفعل ذلك،  وهو أمر تجاوزناه ونحن نعرف “البشير” جيداً وهو رجل يحب السلام). الأكثر من ذلك وفي خطوة وُصفت بأنها “تبييض للنوايا ” أجرى نائب رئيس دولة الجنوب “رياك مشار” لقاء خاصاً مع المدعية العامة للمحكمة الجنائية “فاتو بسنودة”  الأسبوع الماضي بالعاصمة الكينية نيروبي، وناقش الاجتماع، طبقاً “لمشار”، طلب حكومة الجنوب استثناء من المحكمة بعدم اعتقال “البشير” خلال زيارته لجوبا. وقال “مشار” للصحافيين بجوبا، بعد جولة خارجية مطولة انهاها باللقاء مع المدعية الدولية: (إن جنوب السودان ملتزم بعدم اعتقال “البشير” وأن هذا الأمر محسوم تماماً). وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي في جنوب السودان “ماثيو ماكيير”: (أنا لا أعتقد أن حكومة الجنوب ستقوم باعتقال “البشير”.. ليس لأنها غير مقتنعة بجرائمه، ولكنها لا يمكن أن تتورط في هذا الأمر.. وهي تبحث أيضاً عن الاستقرار لدولتها الوليدة). وقال، خلال رسالة مكتوبة بالبريد الإلكتروني: (لو أقدمت جوبا على اعتقال “البشير” فإنها ستكتب نهاية لنفسها ولأدخلت المنطقة كلها في حرب شرسة وغير مطلوبة.. ثم إن معظم قادة الجنوب يعتقدون أن مذكرة التوقيف الصادرة بحق “البشير” هي سياسية وليست قانونية وهي مجرد ورقة ضغط لا أكثر).
وكانت آخر زيارة للبشير إلى جوبا هي زيارته الشهيرة للجنوب خلال إعلان انفصال الدولة الجديدة، حيث شارك الرئيس الجنوبيين فرحتهم بدولتهم الجديدة وبارك لهم الانفصال، وكان من المقرر أن يزورها في أبريل من  هذا العام لكن دخول قوات الجيش الشعبي واحتلالها لمنطقة هجليج، وتوتر العلاقات بين البلدين أدى لتأجيل الزيارة التي كان يفترض أن يوقع فيها على اتفاقية الحريات الأربع . أما “سلفاكير” فقد زار السودان في أكتوبر من العام الماضي، وهي أول زيارة له لدولة خارجية منذ أن أصبح رئيساً لجنوب السودان.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية