أخبار

بين رجلين

أقبل الأتراك أمس (الأحد)، على صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جمهورية بعد تعديل الدستور وإقرار النظام الرئاسي بدلاً من النظام البرلماني الذي كان يحكم أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان وسعة النفوذ.. والثقل الاقتصادي والسياسي والعسكري.. ويواجه الرئيس الحالي “رجب طيب أردوغان” خمسة منافسين أبرزهم رئيس حزب الشعب الجمهوري “محرم أينجه” وهو أكبر المرشحين شعبية بعد “رجب طيب أردوغان”.. ويليه المرأة الحديدية “ميرال اكشينار” وهي تقود حزب (الجيد) ذا التوجه القومي، ويدخل الأكراد حلبة الصراع الانتخابي بالمرشح “صلاح الدين دميرتاش” عن حزب الشعوب الديمقراطي، ولم يرمِ الإسلاميون المحافظون المنديل، وقدموا باسم السعادة الإسلامي المرشح “تمال كرم الله أوغلو”.. وقدم الشيوعيون الأتراك المرشح “دوغو برنتشيك” ويثق حزب العدالة والتنمية في تركيا في الناخبين الذين يساندون الرئيس “رجب طيب أردوغان” الذي قدم نموذجاً في الصلابة والطهر ونزاهة الحُكم وقيادة الدولة من دولة فاسدة تسيطر عليها نخبة من العلمانيين المحتمين بمؤسسة عسكرية فاسدة إلى دولة ناهضة بلغت فيها معدلات النمو أكثر من (38%) في العام الماضي بشهادة صندوق النقد الدولي.. واختار الأتراك بمحض إرادتهم التصويت لحزب العدالة قبل (16) عاماً من الآن بعد أن قدم الحزب نفسه كتيار وطني معتدل.. وضرب قادة حزب العدالة والتنمية الأمثلة التي تفتقرها قيادات تركيا حينذاك في النزاهة والأمانة.. والطهر والعفاف.. ولاحقت تركيا في ظل حكم حزب العدالة الفاسدين في أنفسهم والمفسدين لغيرهم.. فانقلب التيار العلماني العريض على عتاة العلمانية والعسكريين، واختار حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية المعتدلة، وهو يقدم نفسه كحزب إصلاح سياسي يرفع شعارات تنادي بالعدالة والديمقراطية والتزام حقوق الإنسان ونهضة الشعب وتطوير قدراته ولم ينكفئ حزب العدالة والتنمية على نفسه (ويغرق) فيما أغرق فيه الإسلاميون السلفيون أنفسهم من مناطحة المجتمعات في ملبسها ومظهرها.. وخوض معارك انصرافية في تحديد مقاسات فساتين النساء وسراويل الرجال.
الرئيس “رجب طيب أردوغان” الذي تعرض في العام الماضي لمحنة انقسام وانقلاب من الرفقاء تجاوز الانقلاب ومن وقف داعماً له من الخليج العربي المتربص بتركيا.. وطرح “أردوغان” مشروع الجمهورية التركية الحديثة بتعديل نظام الحُكم لديمقراطي رئاسي يلغي فيه منصب رئيس الوزراء ووجدت أطروحة “أردوغان” تأييداً بأغلبية ضئيلة (51%) من خلال الاستفتاء الذي جرى في تركيا 16 /أبريل/ 2016م، وتبعاً لنتائج الاستفتاء تم إقرار إجراء الانتخابات المبكرة قبل حلول نوفمبر من عام 2019م، موعد الانتخابات.. ويغير “محرم أنيجة” المنافس الحقيقي لـ”أردوغان” الذي في آخر خطبة أمام عشرات الآلاف من أنصاره يوم (السبت) الماضي، وعد الناخبين بتغيير في الدولة لتصبح تركيا دولة حُريات ولن تشهد في حكمه ممارسات من قبيل التصنت على هواتف المواطنين وسيكفل الحُريات لوسائل الإعلام، ولن تكون هناك تفرقة بين المواطنين الأتراك، ولكن “رجب طيب أردوغان” يحمل على كاهله مشروعاً سياسياً طموحاً لجعل تركيا دولة عظمى في المنطقة ويُعد “محرم أنيجه” خصماً شرساً جداً لـ”أردوغان” الذي كان لا يجد صعوبة في هزيمة المنافسين الضعفاء والديمقراطية والحُريات التي تعيشها تركيا بفلسفتها العميقة في التواصل مع الغرب والشرق تمثل للإسلام السياسي والإسلاميين نموذجاً يمكن إعادة إنتاجه في مناطق أخرى من الإقليم وبشروط مختلفة.. ولكن “رجب طيب أردوغان” لن يعود إلى قصر الحُكم بسهولة ويسر هذه المرة في ظل المنافسة الشرسة التي يخوضها حزبه في مواجهة “محرم أنيجة”.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية