شهادتي لله

ستة ستة (2)

في الذكرى السابعة لاندلاع الحرب يعود للخرطوم المبعوث الأفريقي الأممي “ثامبو أمبيكي” لإجراء مشاورات مع الحكومة السودانية، بحثاً عن بصيص أمل يقود لعودة الأطراف للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا واستئناف الحوار حول اتفاق خارطة الطريق الذي وقعته الأطراف قبل عامين، ولم يحقق تقدماً على صعيد التفاوض حتى اللحظة.. والرئيس السابق لجنوب أفريقيا يعود للخرطوم ومتغيرات الساحة شاخصة محلياً وإقليمياً ودولياً والمتغيرات مؤثرة جداً على مستقبل التسوية والحرب معاً.
يعود “أمبيكي” للخرطوم وثمة بريق أمل وضوء خافت في آخر النفق يبشر بإمكانية أن تحقق المبادرة تقدماً بعد طول تعثر.. الضوء الخافت في آخر النفق يتمثل في قناعة قد أخذت ترسخ لكثير من أطراف النزاع بأن السلام عبر التفاوض هو السبيل الوحيد لإنقاذ الوطن من مشكلات الاقتصاد المستعصية وتصدع جبهته الداخلية.. وإعادة الرئيس “البشير” تشكيل حكومته وإسناد منصب المدير العام لجهاز الأمن الوطني لشخصية سياسية منفتحة وواقعية في تعاطيها للسياسة وإيمانها العميق بالحوار يجعل حمائم السلام داخل النظام الأعلى صوتاً والأكثر نفوذاً ووجود “صلاح قوش” والفريق “عوض بن عوف” على قيادة الجيش وتعيين المهندس “إبراهيم محمود” وزيراً للداخلية من شأنه تعزيز نفوذ (الحمائم) وتقزيم مخالب صقور الحرب.. والقادة الثلاثة هم الأقدر على تقديم النصح للقيادة السياسية العليا بأن التفاوض وتقديم التنازلات من أجل وقف نزيف الدم مقدماً على ما دون ذلك من تدابير الحكم.
المبعوث “ثامبو أمبيكي” أمامه متغيرات في قيادة وفد الحكومة حيث تم إسناد ملف المفاوضات للدكتور “فيصل حسن إبراهيم” وهو سادس تنفيذي في الحكومة يتولى ملف التفاوض منذ اندلاع الحرب في ستة ستة 2011م، حيث سبق د.”فيصل” خمسة من السياسيين تتفاوض قدراتهم وإمكانياتهم بدءاً من د.”كمال عبيد” صاحب الحقنة ود.”نافع علي نافع” الذي يصفه البعض بالتشدد ولكنه الوحيد من بين رؤساء وفود الحكومة التي خاضت غمار التفاوض مع الحركة قد توصل لاتفاق 28 يونيو المعروف باتفاق “نافع – عقار” قبل أن يجهضه صقور الحرب من “الطيب مصطفى” وحتى “قطبي المهدي”.. ولم يعمر رئيس الوفد الحكومي د.”عمر سليمان” إلا جولة واحدة وتقاطعت رؤيته مع رؤية نافذين في المركز، فعاد بروفيسور “غندور” لرئاسة وفد التفاوض، وكان بعيداً عن التفاهم مع المتمردين ومشغولاً بمناكفة “ياسر عرمان” وإبراز” عضلاته.. وأخيراً المهندس “إبراهيم محمود” الذي أنجز اتفاق خارطة الطريق ولكن تربص بتجربته المتربصون فخرج من الباب الكبير ليأتي د.”فيصل حسن إبراهيم” الذي هو الأقرب لإنسان المنطقة التي تدور في أرضها المعارك.. ولا تنقصه التجربة التنظيمية الطويلة، ولكن المفاوضات مصابة باعتلال (هيكلي) في ترتيب أولوياتها إذا لم يصحح ذلك لن تفضي لا اتفاق حتى قيام الساعة، فالاعتلال الهيكلي يتمثل في أولويات بنود التفاوض حيث (يصر) الطرفان ومعهما الآلية على جعل قضايا الترتيبات الأمنية والترتيبات الإنسانية مقدمة على الاتفاق السياسي، وهذا ما جعل الاتفاق شبه مستحيل.. فالترتيبات الأمنية ينبغي أن تكون خاضعة لإرادة سياسية أعلى ولن يتفق المقاتلون إلا إذا حدث اتفاق سياسي ونشأت إرادة (ضابطة) وحاكمة وأعلى.. فهل يستطيع د.”فيصل” إعادة ترتيب أوراق التفاوض قبل الذهاب إلى أديس أبابا الشهر القادم؟ وهل الحركة الشعبية التي تطغى على انشغالات الملفات العسكرية تملك إرادة تغيير أولويات التفاوض وإعلاء الملف السياسي على الاعتبارات الأمنية؟ تلك هي التحديات الكبيرة التي تواجه عملية التفاوض المتعثرة منذ أربع عشرة جولة.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية