ستة /ستة(1) !!
في مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات تدفقت الدماء وانكسرت (مروق) السلام وغربت شمس الحرية وخيمت على بلادنا سحابة حزن سوداء حجبت ضوء الحرية والحقيقة واستوطنت في مفاصل الجسد كل أمراض الصراع العقيم في ستة من عام 2011م، تجددت الحرب في المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق وانتهت سنوات الهدنة التي امتدت من 2003م، حينما وقعت الحكومة والحركة الشعبية على اتفاق وقف إطلاق النار في سويسرا وتمددت خيرات ذلك الاتفاق لتعيد لإنسان المنطقتين كرامته التي سلبتها الحرب وحريته التي صادرها العسكر وحقه في الحياة والتعليم والصحة.. وقبل أن يحصد إنسان المنطقتين ما زرعته سنوات الهدنة من طرق ومستشفيات وأمن اجتماعي ووفرة اقتصاديه ورخاء تجددت في مثل هذا اليوم الأحزان ونعق في قمة جبال كادوقلي طائر الشؤم أو طائر (البوم) كما نعته بذلك الكاتب والأديب والسياسي د.”فرانسيس دينق مجوك” وانتحب الأطفال وانقبضت النفوس جزعى بعودة الحرب مرة أخرى وكيف لا تعود الحرب إذا كان أطراف الصراع السياسي في الخرطوم قد أسرفوا الوعود لأهل المنطقة بإشعال الحريق مرة أخرى حتى في شعاراتهم الانتخابية اليائسة التي رفعها المتنافسون على مقعد الوالي في جنوب كردفان والحركة الشعبية وجنرالاتها رفعوا شعاراً تحيط به الدماء وتحفه الدموع (اما النجمة أو الهجمة) كانت الخيارات أمام المواطنين أحلاها مُر أما التصويت للنجمة التي ترمز لعلم الحركة الشعبية وأما أن ينتظر الناخب الهجمة!!
وفي الجبهة الأخرى كان المؤتمر الوطني قد رفع شعاراً أكثر عبئاً (أما هارون وأما القيامة تقوم).. فكيف لا تندلع الحرب وتقوم قيامة مواطني الإقليم وتقع عليهم الهجمة التي شردتهم من ديارهم دفعت بآلاف اللاجئين في دولة الجنوب وثلاثة أضعاف اللاجئين اختاروا النزوح داخلياً إلى المدن الكبيرة.. وغربت شمس السلام وفتحت السجون والمعتقلات.. وأغلقت المدارس أبوابها في مناطق عديدة.. ودارت الحرب الضروس وتمددت من طروجي حتى أم روابة.. وفشلت كل محاولات التهدئة وتعثرت أربعة عشر جولة مفاوضات وانقسمت الحركة الشعبية لفريقين.. ولا تزال الحرب تلقي بظلالها على المنطقتين.. توقفت الحرب استجابة لمطالب المجتمع الدولي والوسطاء وحرصاً من الأطراف المتصارعة على الظهور في صورة المحب للسلام والباحث عنه.. ولكن لا تزال الأسباب التي أدت لاندلاع الحرب عصية على الأطراف مناقشتها والوصول لتسوية بشأنها وفشلت رهانات (الحربيين) في المعسكرين أي دعاة الحرب والحسم بالبندقية لأن الرصاص لا يبنى وطناً.. ولا يجفف دمعة.. والموت لا يبعث بعد الموت الحياة.
في ذكرى اندلاع الحرب يتذكر الناس صوراً مروعة لحالات النزوح والموت في الشوارع والجبال والخيران وكيف أمسكت السماء ماءها في ذلك العام وجفت الضروع ويبست الزروع ولم تستطيع حتى الآن جهة وطنية أو دولية إحصاء ضحايا الحرب في المنطقتين منذ اندلاعها وحتى الآن وفي ذكرى (ستة /ستة) تلوح في الأفق بوادر حلول صامته ومبادرات في طي المسكوت عنه، ولكن القضية ما عادت صراعاً حول السلطة وصراعاً حول الترتيبات الأمنية.. بل تعمقت أسباب الصراع بدخول الموارد الطبيعية من ذهب ويورانيوم في لجة الصراع وتعددت أوجه المتنافسين للظفر بالغنائم على ألانقاض ورماد المعارك.. وأما أهل المنطقة من الضحايا فقد حار بهم الدليل وأعياهم طول المسير.. وقلة الزاد ووحشة السفر .