الديوان

الرباطاب.. السخرية تمضي بالحياة على نحو أفضل

الرباطاب مجموعة سكانية تقطن ضفاف النيل بشمال السودان، إلى جانب مميزات كثيرة يتمتع بها أفراد هذه (الثقافة) كغيرهم من السودانيين، واشتهروا دون غيرهم بسرعة البديهة والسخرية والقفشات السريعة والمضحكة، ما جعلهم (ماعوناً) لا ينضب لمجترحي النكات، ويقال إن في طباع الرباطاب نزوعاً فطرياً نحو الردود السريعة على طريقة (كلمة وغطاها) الأمر الذي جعل كثيرين يصفونهم بحضور البديهة والذكاء، ويقال إن الرباطابي يستخدم قدراته الهائلة في ذلك المنحى سلاحاً فتاكاً يقذف به الرعب في قلوب خصومه وهم مبتسمون، وفي هذه المساحة نحاول التعرض لبعض ما يحكي عن الرباطاب بغرض التخفيف عن القراء الكرام من غلواء الظروف الصعبة و(الدنيا قبايل عيد)، فربما نجعلهم يبتسمون.
 ارتباط السخرية بالثقافة والأدب
ورد في بعض المؤلفات أن سخرية الرباطاب ارتبطت بالثقافة والأدب العربي القديم، حيث مارسها الكثير من الشعراء والخطباء في تلك الحقب القديمة، مثل الفرزدق وجرير وابن الرومي وبشار بن برد والحطيئة والمصري وبشرى وخلافهم، ومعظمهم ارتبط بالهجاء بكلمات لاذعة والتهكم والسخرية.
تعتبر سرعة البديهة، فن من فنون المخاطبة وأكثر ما تتجلى هذه الموهبة عندما يستفز الشخص أو عندما تغالط الحقائق فيأتيه الجواب الذي يلقمه حجراً، وهو خير من السكون لأنها تلقن السفيه درساً، وسرعة البديهة قيمتها في سرعتها وفوريتها، وفي ذلك يمكننا استعراض رد الساخر الشهير” برناندو شو” على كاتب مغرور قال له: أنا أفضل منك، فانك تكتب بحثاً عن المال وأنا أكتب بحثاً عن الشرف، فقال له “برنارد شو” على الفور: صدقت كل منا يبحث عما ينقصه، وسأل ثقيل الشاعر الضرير ” بشار بن برد” قائلاً: ما أعمى الله رجلاً إلا عوضه فبماذا عوضك؟ فقال بشار: بأن لا أرى أمثالك.
  هزاز وجاري الشحن
وسرعة البديهة عند الرباطاب فيها جانب من الذكاء وقدرة على التخيل وتصوير المواقف حتى المتناقض منها، لذلك ارتبطت بخفة الحديث الذي لا يعول عليه، فأوجدوا لسخريتهم الإثارة والمتعة وعدم الرضا على السواء، الأمر الذي ساعدهم في إنتاج عدد مقدر من النكات ذات الطابع الساخر، ومنها على سبيل المثال (يُحكى أن رباطابي عندو اخوانو راقدين في المستشفى، الأول موصلين ليهو درب، والتاني قاعد يرجف من شدة الألم، خالو ضرب ليهو تلفون وسألوا: أخوانك كيف؟ قال ليهو: واحد شغال هزاز والتاني جاري الشحن).
وفي السياق يقال إن الشايقية دأبوا على مناكفة جيرانهم الجعليين والرباطاب، لكن دائماً ما يكون لهم الرباطاب بالمرصاد (تنكيتاً وسخرية): وقيل إن شايقي حاول أن يناكف رباطابي فقال له: (أبو حمد دي شنو؟ فرد الرباطابي: دا راجلاً لكريمة).
السخرية ومرارة القول عند الرباطاب لم يسلم منها حتى صغارهم، وفي ذلك يحكى أن حماراً تعود أن يحك رأسه في شباك فصل المدرسة في إحدى قرى الرباطاب، فسأل الأستاذ الطلاب: (الحمار ده كل يوم يعمل كده عندو ود عم هنا؟ فرد عليه أحد التلاميذ: (والله ما بجي إلا في حصتك يا أستاذ).
بين الأب وابنه.. سخرية لاذعة
ويعتبر فنان الربوع الشهير ” أحمد عمر الرباطابي” من أسخر الرباطاب، ويقال إنه وبعد أن فرغ هو وفرقته من تسجيل عدد من أغاني التراث الشعبي للإذاعة، طلب منه الصراف الحضور يوم السبت لاستلام قروشه، فقال له مستخفاً: ( يا ود أخوي نحن ما عندنا غناياً بسلفوه)، وذكر في إحدى الروايات أيضاً أنه كان يأكل مع ولدو، فقال ليهو: يا أبوي الفار، فرد عليه: يا ولد أنا كديسة، فرد الابن: يا أبوي أنا قتلك أكلو).
الأستاذ الإعلامي الكبير “محمد الخير البدوي” سليل الرباطاب قال عنهم إن ما يتمتعون به ما هو إلاّ ذكاء فطري لطبيعة حياتهم الشاقة والجادة ولا يحبون اللف والدوران، وأشهرهم سخرية هما (ود عمر وسلمان أبو حجل)، ثم شرع يوصف حدود منطقتهم بأن الرباطاب تبدأ من الباقير جنوباً وأبو حمد شمالاً، والأخيرة خليط من القبائل بينهم العبابدة والشايقية والمناصير، واستطرد: (أن أبو حمد تعد مركزاً تجارياً تأتيه القوافل من جهة نهر الجور وبحر الغزال، يحضر إليها الرقيق من الجنوب ويطيلوا فيها الإقامة).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية