مدخلات (قفة الملاح).. لا مخرجات الحوار
لا أظن أن أحداً في السودان يعتقد أن مشكلة بلادنا تكمن في الدستور الحالي، وبالتالي ستنفرج الأزمات السياسية والاقتصادية فور إعداد وإجازة دستور جديد لجمهورية السودان !
وبالتأكيد لا علاقة لمعاناة الشعب السوداني في عيشه وخدماته بقانون الصحافة والمطبوعات القديم أو المعدل.. إطلاقاً.
ولذا، فإن أولويات الحكومة ليست الدستور ولا مزيد من القوانين وتعديلاتها، بل في معالجة المشكل الاقتصادي المزمن، والدفع بعجلة الإنتاج في كافة القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية وفي قطاع النفط والتعدين.
التحدي الماثل أمام الدولة اقتصادي، فهناك دول من حولنا لا تعمل بدساتير تكفل الحُريات الأساسية وحقوق الإنسان وتبيح التعددية السياسية وتؤسس لنظام دستوري محترم، لكن شعوبها ترفل في رغد من العيش وتتقلب في نعم الله الدنيوية، فلا تنشأ أزمات سياسية ولا تسمع أو تقرأ عن احتجاجات واعتصامات، ولا يتخيل أحد مواطنيها اندلاع حروب أهلية في طرف من أطرافها !
ولهذا يبدو الانشغال بتفاصيل الجدل البيزنطي السياسي والقانوني في بلادنا، مقابل ضعف الإنتاج وهشاشة الاقتصاد، مجرد محاولات للهروب من الأزمة الحقيقية، والقفز نحو مربع ثانٍ قبل مباشرة العمل في المربع الأول !
إذن.. على الحكومة أن تعرف أولويات الشعب، لا أولوياتها هي المبنية في أحيان كثيرة على النظر في مصلحة سياسية وتكتيكات محدودة الأثر، غير متعلقة بالمصالح الوطنية العليا.
إذا عرفت الحكومة ما يريده الناس منها، لما أهلكت وزراءها في اجتماعات مطولة في مجلس الوزراء لا طائل من ورائها، تنصب على الاستماع لتقارير مملة لحساب النسب المئوية لما تم تنفيذه وما لم يتم تنفيذه من مخرجات الحوار الوطني.. مثلاً!!
الشعب يريد ما يعينه على مدخلات (قفة الملاح) وعلاجه وتعليمه ومواصلاته بما يتناسب ودخله الزهيد، ولا يتطلع لمخرجات سياسية نظرية.. لا تسمن ولا تغني من جوع.