الخرطوم_ عبد العزيز ابراهيم
بينما كانت الأم وبنتها تستمتعان بالقهوة وتخططان لشراء ملابس جديدة لحضور زواج أحد الأصدقاء، دخل الشخص الذي يجب أن يلبي هذه الطلبات إلى المنزل منهكاً وهو يعاني من آلام المرض.
وعبّاس الذي يعمل منذ 30 عاما يتقدم بالعمر، لكن ابنته الجميلة لا تبالي وتصر على طلباتها المتكررة بغرض التباهي بفستان جديد في حفلة عرس، بينما يخطط شاب آخر للتقرب منها ويتودد إليها بالهدايا.
هذه المشاهد المؤثرة من أولى حلقات المسلسل السوداني “عشم” الذي تم تصويره في مدينة جدة السعودية والذي يسرد حكايات الأسر السودانية في الغربة.
المسلسل الذي عُرضت أجزاؤه الأولى على موقع “يوتيوب” يقوم ببطولته ممثلون ليست لهم تجارب سابقة في التمثيل. وحقق العمل مشاهدات واسعة جذبت اهتمام المعلنين. وبعد نجاحه الساحق، يتم عرضه هذا الموسم على “قناة 24” السودانية حيث يحظى بمتابعة واسعة.
ومنذ بداية الثمانينيات، هاجر الملايين من الشباب السودانيين للعمل في الخليج، في مختلف المجالات. وبعد مرور أكثر من 35 عاماً أثمرت هذه الهجرات عن الآلاف من العوائل الجديدة التي ولد أبناؤها وترعرعوا في الخارج.
تعيش هذه الأجيال صراعا بين الوطن الذي تنتمي إليه وتقاليده وعاداته ولهجته وبين البلد الذي تربت فيه وعاشت معظم حياتها فيه وتأثرت به.
مسلسل “عشم” السوداني أماط اللثام عن هذا المجتمع الكبير، وقد أثار موجة انتقادات هائلة في #السودان لكن مؤلفة العمل آلاء الشيخ، التي ولدت وعاشت حياتها كلها في مدينة جدة لم تبال بتلك الانتقادات.
وقالت آلاء الشيخ لـ”العربية.نت”: “عشم يحكي عن جيل لازال متمسكا بالهوية السودانية رغم الحياة في الغربة بهمومها ومشاكلها التي لا يتفهمها من لم يخض تجربة الاغتراب”.
وأوضحت آلاء أن “مسلسل عشم هو مشاركة لتجارب شخصية حاضرة في واقعنا كسودانيين مغتربين”.
العمل الذي ولد بعد اجتماع بين المنتج السعودي وسام الكاف والمخرج السوداني محمد كمال الذي يعيش هو الآخر في مدينة جدة ومدير الإنتاج محمد مهدي يعتبر من أكبر الأعمال الدرامية السودانية إنتاجاً خارج الحدود، ويحكي عن واقع آلاف الشباب الذين يعيشون بين عالمين لا ينتمون إليهما بشكل كامل.
في هذا السياق أوضحت آلاء الشيخ أن بعض القصص قد تمس المشاهد بشكل شخصي ومباشر عن واقع تجربة وبعضها قد يكون قد شاهدها عن بعد دون أن يخوض في أحداثها، كما أن بعض الأحداث قد تفتح عين المشاهد على جانب من المجتمع قد يكون مجهولا بالنسبة له.
ويحاول المسلسل بحسب المؤلفة الشابة أن “يحكي الواقع من وجهة نظر المغترب ومشاكل الحياة العصرية التي يواجهها، بخلاف الصورة النمطية السائدة عن حياة المغتربين بأنها مترفة وسهلة”.
ويحفل المسلسل بقصص عاطفية جريئة. وتناقش حلقاته مشاكل يواجهها الشباب كتأخر سن الزواج لدى البعض وتعطل الفتيات عن الدراسة بسبب أوضاع مادية، بالإضافة إلى فرص العمل والبحث عن شريك مناسب.
وسط هذه القضايا العصرية التي تهم الشباب يسلط العمل الضوء أيضاً على جيل الآباء ومواكبتهم لهذا التطور والفروقات بين جيلهم والجيل الجديد الذي ولد في بلاد المهجر.
وفي هذا السياق تقول آلاء الشيخ إن “العلاقات الإنسانية جزء كبير من حياتنا كشباب سواء في الغربة أو الوطن، وتسليط الضوء عليها جاء من هذا المنطلق”.
من جهته أكد مخرج العمل محمد كمال أن “العمل ناقش قضايا الشباب في المهجر بحلوها ومرها وإصرار المغترب على مواصلة الغربة لأنه يرى أنه خيار أفضل من خيار العودة”.
اهتمام كبير وجده العمل الذي حرك سكون #الدراما_السودانية منذ عقود. ورغم الهجوم العنيف الذي قوبل به العمل واتهامه بتقديم صورة لا تشبه الحياة السودانية لكن بعض النقاد يرون عكس ذلك.
وفي هذا السياق، قال الناقد ياسر عركي إن “العمل نشأ في جو من الحرية، وهو واقعي جدا ويمثل رغبات تلك الأجيال الجديدة في الطريقة التي تختارها لحياتها مثل طريقة الملبس ونمط التفكير”.
وأضاف عركي: “السبب الذي جعل البعض يواجه هذا العمل بعدائية هو التنميط التي تحددها لجان المشاهدة في الدراما السودانية والتي تحد من نظرة المبدع كالوصاية مثلا على الممثلين بعدم الخوض في القضايا التي تتصل بالحب والعواطف بشكل واضح”.