دموع "ساكن" (1)
تتعرّى نصوص بعض روايات الكاتب “عبد العزيز بركة ساكن” من قوالبها الفنية والإبداعية، وترتدي عباءة المنشور السياسي، كما هو حال الكاتب في رواية (مسيح دارفور) التي حظرتها شرطة المصنفات الفنية، وتم منعها من العرض بمعرض الكتاب؛ لتنال الرواية مزيداً من الشهرة والذيوع وسط النخب وعامة الناس.. وأي كتاب تحظره السلطة بسبب محتويات أو بذرائع رقم الإبداع أو الإجازة من قبل موظفين جعلهم مجلس المصنفات رقيباً باسم الدولة ينال من الشهرة والذيوع ما لم يحلم به الكاتب، ويتربص بعض المتطلعين للشهرة بالحكومة كتربص شرطة المرور بسائقي المركبات في المنعطفات والتقاطعات لينالوا شهادة (محرومين) من حقوقهم في بلادهم.. وكم من قاص مغمور يكتب بلغة رديئة وخيال جدب نال من الشهرة بسبب تصرفات أفراد وسوء تقدير سلطة.. و”عبد العزيز بركة ساكن” في روايته (مسيح دارفور). اختار خطاباً مباشراً في سرد وقائع قصة قد تبدو في ظاهرها عملاً فنياً يرقى تصنيفه لمرتبة رواد أو منتسبي مدرسة الواقعية السحرية التي موطنها أمريكا اللاتينية ورائدها الكاتب “جبرائيل قارسيا ماركيز”.. إلا أن رواية (مسيح دارفور) تنحى باتجاه الهتافية والصراخ السياسي الجهير.. وشخوص الرواية من “شكيري توتو” و”إبراهيم خضر”، وهم شباب تم إلقاء القبض عليهم بمنطقة سوبا (التفتيش)، وزُجّ بهم في معسكرات التدريب للخدمة الوطنية ونُقلوا لدارفور ليحاربون إلى صف الجيش والجنجويد، ثم يكتشف “شكيري” أنه من جبال النوبة و”إبراهيم الخضر” ابن خطيئة مجهول الأب ومعلوم الأم من حجة كسلا بشرق السودان ثم العلاقة العاطفية مع الفتاة المتشردة في شوارع نيالا، والتي تدعي (عبد الرحمن) وظروف وملابسات جمعت الفتاة مع الحاجة (خريفية) التي تعمل بائعة في سوق نيالا.. تلك محاولة من الكاتب لربط ما يعرف بالمهمشين اجتماعياً وثقافياً والتهميش كواقع اقتصادي واجتماعي حاضر في السودان، لكن دلالات المصطلح (سياسة) وتم إغراق المصطلح في لجة الصراع السياسي لتغمره أبعاد اثنية وعنصرية، وسعى الكاتب “بركة ساكن” لربط القوات النظامية بعناصر (الجنجويد) التي يصدرها الكاتب بأنها جماعات لا دين ولا وطن لها.. دينها قتل الناس دون وجه حق ووطنها حيثما جادت الطبيعة بالعشب للإبل.. ويرمي “بركة ساكن” الجنجويد بتهمة اغتصاب الفتيات الدارفوريات، ويبرئ النظامية من التهمة رغم أنه حاول تصوير مشاهد لعلاقات مصالح تجمع القوات النظامية بالجنجويد.. لكنه – أي “بركة ساكن” – يوجه نقداً سياسياً مباشراً لجماعة حركة العدل والمساواة وزعيمها الراحل د. “خليل إبراهيم” ويعتبرها جماعة طفيلية بواعثها في القتال خلافات في السلطة، ويعتبر د. “خليل” غير مؤهل أخلاقياً للحديث عن نصرة المظلومين لمشاركته في قتال الجنوبيين. ومن حيث شاء أو أغفل أطلق “بركة ساكن” في روايته (مسيح دارفور) على “عبد الواحد محمد نور” لقب “شارون”، فهل لهذا اللقب صلة بالعلاقة التي نشأت بين حركة عبد الواحد ودولة الكيان الصهيوني؟!
نواصل..