{ تغييرات جذرية حدثت على مستوى المكوّن الاجتماعي والفني جعلت بعض ما يمكن تسميتها بالبثور الغنائية الشائهة الآن هي السائدة والمسيطرة على المشهد برمّته.. ثمّة تغييرات اقتصادية أو سياسية أفضت إلى حالة (النكوص) للذوق الجماعي وأوصلته إلى ما هو عليه الآن، بحسبان أن المتغيرات السياسية والاقتصادية تعدّ ذات تأثير مباشر على الحالة النفسية للمجتمع.
{ المجتمع الآن صار يعاني من ضغوط هائلة.. ضغوط على مستوى المعيشة.. وتأخر سن الزواج.. بالإضافة إلى حزمة من المنغصات تجعل من أغاني السفح هي المتنفس الأول والسهل الذي يقودهم إلى حالة من (الهذيان الهستيري) الذي يكون بمثابة (مخدر) وقتي ينسيهم لوقت قصير معاناتهم.. تلك هي المعضلة.. ويسند ما سقته حالات مشابهة لأغانٍ ذاعت في أكثر من بلد قريب.. فأغنية (السح الدح أمبو) لـ”أحمد عدوية” كانت إبان نكسة 67 والعرب وقتها خرجوا من حرب خاسرة مع الإسرائيليين ولم يجدوا ما ينفثوا به عن احتقانهم ذلك سوى أغاني “عدوية” التي كانت بمثابة (الكبسولة) المهدئة والمخدرة فى آنٍ واحد.. وذات الأمر انطبق على العراق بعد أن تحرر من القبضة الحديدية لـ”صدام حسين”، فظهرت أغانٍ مثل (البرتقالة) وغيرها مما يمكن تسميتها بأغاني السفح في بلاد الرافدين.
{ والحالة السودانية لم تكُن معزولة عن محيطها، فهي الأخرى تأثرت وبشدّة بمحيطها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.. تأثرت إلى حد أن صارت الآن أغانٍ مثل (بتدقا) و(سكر بيعشرق في الحلق) وغيرهما هي أيقونات الشباب.. لا غرابة أن صارت أذواق الناس التي كانت تطرب لـ”عثمان حسين” و”وردي” و”الذري” تصاب بردة سمعية فترخي آذانها لهؤلاء المطربين الجدد (صنيعة الواقع السوداني الجديد).
{ لن يكون بمقدور (كورال كلية الموسيقى والدراما) المضي في نجوميته أكثر من ذلك.. لن يكون بمقدوره أن يتجاوز الحوائط التي ثبت فيها تجربته الفنية، فالمجموعة الغنائية التي نالت نجومية كبيرة خلال السنوات الماضية- ربما لم تكن تتحسب لها أو تضعها ضمن خططها- هذه النجومية قفزت بها مراحل بعيدة بأن صارت مجموعة جماهيرية قادرة على جذب الجمهور، لكن هذه الجماهيرية ليست حقيقة، لأنها مجموعة من المعجبين بالشكل الغنائي الجماعي الذي قدمته المجموعة الغنائية، وسينتهي هذا الإعجاب الوقتي قريباً لأن المجموعة لا تملك مشروعاً غنائياً خاصاً بها كما هو الحال في (عقد الجلاد)-رغم كبوتها الحالية- ولا منهجاً للغناء مثلما كانت (ساورا)-حسنة الذكر- فـ(الكورال) عبارة عن مجموعة متجانسة تعيد تقديم أغانٍ مسموعة بشكل جديد تعتمد فيه على اللحن الأساسي للأغنية، ثم يعتمد بعد ذلك على الطبقات الصوتية المتباينة، لكن (الكورال) لا ينتج أعمالاً غنائية جديدة ولا يقدم ألحاناً ولا كلمات، وليس لديه مشروع غنائي يمكن أن نؤشر عليه.. هو فقط إعادة إنتاج أعمال قديمة.. وهذا الأمر سيقود الجمهور إلى حالة من الملل تجاه الكورال.. وهو بهذا يكتب نهايته بيده.
} مسامرة أخيرة
اﻟﻤﻮﺟﺔ ﺳﺎمعة ﺍﻟﻨﻢ ﻭﺗﻄﺎﻧﺶ ﺍﻟﻘﻤﺮﺓ
ﻭﺍﻟﺸﺎﺭﺩﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻢ في ﺣﻀﻨﻪ ﻣﻨﻜﺴﺮﺓ
ﺍﻟﺠﺎي ﻟﻮ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻔﺎﺗﻮ في ﺍﻟﻤﺴﺮﻯ
ﻗﺪﺍﻡ ﻣﻌﺎﻙ ﻳﺎ ﻋﻢ ﻭﺍﻟﺴﺎﻳﻘﺔ هي ﺍﻟﺤﺴﺮﺓ
ﻗﺘﻼﻳﺎ ﺧﻮﻑ ﻭﻧﺪﻡ ﻗﻮﻝ ﻋﻨﺪﻙ ﺍلأﺳﺮﻯ
أﺷﺠﺎﺭي ﻣﺎ ﺑﺘﻔﻬﻢ ﻫﺎﻙ ﻛﻠﻢ ﺍﻟﺰﻫﺮﺓ
“عاطف خيري”