أخبار

وين إنتو ووين هم..؟

محمد إبراهيم الحاج

{ الفنان الكبير “عبد الكريم الكابلي” يظل واحداً من أهم الدعامات الغنائية التي ساهمت في تشكيل مزاج كثير من الأجيال.. رغم ابتعاده مؤخراً وإقامته شبه الدائمة خارج البلاد، إلا أنه يمثل نموذجاً رائداً لما يمكن أن يكون عليه المطرب.
{ “الكابلي” يكتب الشعر ويلحن ويغني بصوته المتفرد، وفوق ذلك هو متحدث بليغ ومحاضر لا يشق له غبار.
{ ساهم “الكابلي” مع آخرين.. “عثمان حسين” و”أحمد المصطفى” و”وردي” و”أبو عركي البخيت” و”محمد الأمين”، في تثبيت أناقة الفنان لطفاً وسلوكاً ومظهراً وهو الأمر الذي ربما ساعد كثيراً في أن يكون المطرب واحداً من نجوم المجتمع ويحظى باحترام وتقدير كبير، ولهذا السبب ربما كثير من عامة الناس يطلقون على المطرب كلمة فنان.. لذا هي ارتبطت في وعي الناس وعقلهم الباطن بذلك الرجل الوقور الذي يرتدي البدلة الكاملة بكرافتة تتناسق مع ألوان البدلة وحذاء لامع جداً وشعر مصفف بتهذيب.
{ لأناقة أمثال “الكابلي” و”أحمد المصطفى” وأمثالهم كان الناس يطلقون لقب (أستاذ) على المطرب.. فهل يمكن أن نطلق كلمة (أستاذ) على مغنٍ مثل “صلاح ولي” (يتقافز) و(ينطط) على الطاولات ويمارس حركات بهلوانية تثير اشمئزاز الحضور قبل المستمعين، أو آخر (بصق سفة) كان يكورها داخل فمه أمام جمهوره وخاطبهم بقوله (أنا بسف قدام أبوي ما أسف قدامكم إنتو؟).. أظن أن الأمر متروك لفطنة القارئ.
{ في فترة الثمانينيات غنى “هاشم ميرغني” من كلمات “عزمي أحمد خليل” (حان الزفاف أنا حالي كيف بوصفو.. يا ريت هواك لي ما انقسم ولا قلبي ريدك نزفو)، وقبله عاتب الراحل “عثمان حسين” محبوبته غناءً بكلمات “حسين بازرعة” بقوله: (اغفر لو يا حنين وجاوز من ظلم).. كما غنى من كلمات “عوض أحمد خليفة”:
(ﺣﻴﺮﺍﻥ ﺃﺳﺎﺋﻞ نفسي ﺇﻳﻪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺨﺼﺎﻡ
ﻳﻤﻜﻦ ﻳﻜﻮﻥ في ﺣﻘﻚ اﺗﻠﻮﻣﺖ في ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻼﻡ
ﻟﻜﻦ ﺩﻩ ﻣﺎ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻳﻜﻮﻥ.. ﺃﻧﺎ قلبي ﻟﻴﻚ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻐﺮﺍﻡ
ﻣﺎ ﺃﻇﻦ ﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﻬﻮى ﻳﻌﺮﻑ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻼﻡ)
وغنى “إبراهيم حسين” للراحل “محمد عثمان كجراي”:
(خلاص يا قلبي كان خاصم.. ضميرو يحاسبو خليهو.. تمر أيام وينسى غرورو.. يلقى هوانا راجيه).
{ هذه الرقة والبساطة والسلامة النفسية في كلمات أغاني الرواد التي لا تزال محتفظة بدهشتها وروعتها جعلها صالحة لكل زمان ومكان.
{ تقابلها بالجانب الآخر كلمات منفرة تتم بها تغذية أبناء الجيل وحشو أدمغتهم بها.. كلمات تحرض على العنف اللفظي وشدة الخصام والندية بين المحبين، وهو ما يحيل كثيراً من العلاقات الإنسانية إلى علاقات تشاكسية تفتقر إلى قيمة (الاحترام).
{ مثلاً عندما يغني “قرقوري” ملء شدقيه بـ(لو قايلة ريدتنا زي مهند ونور تبقي عيانة ودايرة ليك دكتور).. أو آخر عندما يقول: (الفي ريدو فرط دقس.. بيجي غيرو يعمل مقص).
والأدهى من كل ذلك أن يتم إحضار المطربة “إنصاف مدني” بعشرات الآلاف من الجنيهات لتدلق على أسماع الناس أغنية (ما تقول لي عجبتك.. عندي زول بيقطع رقبتك).. ويتراقص الناس أمامها جزلين مبتهجين رغم كل ما تحويه كلمات الأغنية من عنف صريح.
{ ورغم أن المقارنة بين الجيلين تبدو شبه معدومة، لكنها تؤشر بوضوح إلى عمق الهوة بين الثقافات وطرق التعبير وأدوات توصيل الفكرة.. ولهذا السبب ربما كان المجتمع متسامحاً كريماً متصالحاً مع ذاته عكس الأجيال الحالية التي تعاني من اهتزازات على المستويات كافة.
} مسامرة أخيرة
{ اغفـــر لــه يا حنيــِّن … وجــاوز لـــو ظلم
ما أصلها الأيام مظالم والعمــر غمضة ثواني
واصبر على جرحك.. وإن طــــال الألم
بى جراحنا بى أشواقنا.. بنضوي الزمن
أنا عارفه بكرة بيعود.. في رعشـــة ندم
ننسى الحصل بيناتنا.. والسهر اللي كان
تصبح حياتنا نغم.. وعشنــــا يبتســــم
وتعود مراكب ريدنا.. لـــــي بر الأمان
“بازرعة”

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية