الديوان

البحث عن وظيفة في (الشبكات)… جدلية (سيد الرايحة) و(خشم البقرة)

في الوقت الذي كان يلهث فيه خريج تقنية المعلومات ” عبد الله الأمين” وراء سراب مُعلن على بطاقات توزع للسابلة والعابرين في الطرقات والأسواق، تعلن عن وظائف بطريقة مبهمة ومنافية للوائح وقوانين العمل، كنتُ أنقب في مأثوراتنا الشعبية عن مثل أو حكمة تسعفني على توصيف حالة “الأمين” وكثيرين من أمثاله، فلم أجد بداً من أن أتمتم قائلاً: (سيد الرايحة يفتش خشم البقرة)، رغم أن (رايحة) العاطلين عن العمل لسنوات طويلة دفعت بكثيرين منهم للبحث عن خلاص حتى ولو في (فك الأسد) دعك عن (بقرة) أليفة ومسالمة.
خلفية وإضاءة
والرواية في سياق (التقرير) الآتي، يعرفها الجميع، لكنها تحتاج إلى مزيد من التشريح والإضاءة حتى تنجلي أكثر، ولأن نسب البطالة ظلت في ارتفاع مستمر خاصة وسط الخريجين الجامعيين وبين الفئة العمرية المنتجة والتي تتراوح أعمارها ما بين (25 – 59)، إذ بلغت وفقاً لأحد التقارير أكثر من (26%)، بينما ظل سوق العمل منكمشاً وغير فعال خاصة في ظل المتغيرات الاقتصادية الكبيرة التي حدثت في أعقاب ذهاب (الجنوب)،  ووفقاً للإحصاء السكاني ( 2008م)، فإن فئة الشباب في سن العمل بلغت (67%) من إجمالي السكان، في الوقت الذي بلغ حجم القوى العاملة (11,7) مليون، بينما بلغ معدل البطالة (15.9%)، ما أدى إلى انخفاض الطلب الكلي دون مستوى التشغيل الكامل بجانب الهجرة من الريف إلى الحضر وهجرة العمالة الزراعية.
خفي حنين
وفي المدينة الوحيدة (العاصمة) تكالب الناس من كل حدب وصوب للظفر بفرص أفضل للعيش، ولكنهم غالباً ما ظلوا يعودون من غنيمتهم المفترضة هذه بالإياب فقط، وهذا ما أشار إليه ” عبد الله الأمين” الذي تخرج من أربع سنوات، وما زال يطارد شوارد إعلانات الوظائف عبر (الصحف والبوردات)، ولما يجيئها لا يجد عندها شيئاً، وأضاف ” الأمين”: ثم انفتحت علينا شركات تروج لوظائفها عبر بطاقات صغيرة الحجم توزعها مجموعات من الشباب والشابات على الناس في الأسواق والشوارع الرئيسة، وتطرح وظائف مبهمة لا تتطلب أية مؤهلات أكاديمية أو كفاءات، فقط تداعب في الناس سواء أكانوا عاطلين أو طلاباً أو موظفين حاجتهم الماسة للعمل أو العمل الإضافي.
واستطرد “الأمين” هذه الشركات ومن خلال تجربتي معها لا تبيعك سوى الوهم، إذ تتخذ من ما يسمى بالتسويق الشبكي نظاماً لها، وتستقطب عبر (مروجين مفوهين) الكثير من الباحثين عن وظائف، ولكن لا يحصدون في النهاية سوى الهشيم.
فرص عمل مضروبة
“سامية عطا” عرضت عليَّ عدة بطاقات تروج لوظائف في هذه الشركات، تقول إحداهن (إذا كنت تبحث عن عمل إضافي، أو موظف تريد زيادة دخلك، أو طالب تبحث عن فرصة عمل لا يتعارض مع دراستك، أو ربة منزل تريد زيادة دخل الأسرة) فاتصل على الأرقام التالية (…..)، وفي الأسفل توقيع باسم الوكيل المعتمد (إلهام) وعنوان (الشركة العالمية). بطاقة أخرى تحت توقيع الأستاذة “مريم” تقول ( دخل إضافي، عمل في وقت الفراغ، امتلاك تجارة واستثمار خاص بك، مساعدة الآخرين، تطوير ذاتي، تقاعد آمن) وأرقام تلفونات خاصة بالأستاذة “مريم”.
وعود زائفة
والأستاذتان “مريم وإلهام” لا يعرف أحد من هما، وما هي وظيفتهما، وما هي الشركة العالمية التي تعمل “إلهام” وكيلة لها، وما هو مجال العمل الذي تعمل فيه هذه الشركات؟ كلها أسئلة تجعل فرص العمل التي تطرحها هذه الشركات التي لا تذكر أين مقرها وتضع بدلاً عنه أرقام تلفونات موقعة باسم شخص واحد في الغالب (امرأة) (دون الإشارة إلى أبيه وجده)، بين فكي (أسد)، لكن يظل الشباب والنساء والموظفون من (أسياد الرايحة) يذهبون يومياً إلى (مريم وإلهام) وأخواتهما للحصول على وظيفة دون شروط، وظيفة يمكن أن يشغلها سائق، خريج جامعي، ربة منزل، طباخ، لديه مؤهلات كبيرة، أمي لا يفك الخط، كل ذلك لا يهم، إنها وظيفة تنقلك إلى الأفضل، وهكذا أنفق “عبد الله الأمين وسامية عطا” وكثيرون آخرون وقتاً طويلاً امتد عند بعضهم إلى أكثر من عام يحلمون براتب كبير، ويدفعون لتلك الشركات من جيبهم الفقير ويستدينون لذلك، ويأتون بـ(موظفين آخرين) حتى ترتفع نقاطهم وتكبر شبكتهم، فيظفرون بسيارة و(يخت) ورحلات إلى شرق آسيا وأمريكا اللاتينية و… وفي النهاية لا يجدون شيئاً سوى باكتات الشاي الأخضر، ومعاجين أسنان (سحرية) يستاك بها الناس ويأكلونها أيضاً، وبعض الكريمات والشامبوهات، وحتى هذه لا يجدون من يشتريها منهم حتى يستعيدوا جزءاً مما أنفقوا فيها.
في الشبكة
يسأل هؤلاء إلى أي الجهات تتبع شركات التسويق الشبكي، وهل تحتكم لقوانين العمل السارية في البلاد في إعلانات وظائفها، ولماذا لا تخضع لرقابة مكتب العمل؟ ولا تطرح وظائفها عبر الصحف، ولماذا لا تشترط مؤهلات لتلك الوظائف، وكيف تترك لتصطاد من تشاء من (أسياد الرايحة) يدفعون لها مقابل (باكتات شاي وصابون ومعاجين وكريمات)؟، حيث تعدهم بأن كلما اتسعت شبكتهم كلما اقتربوا إلى الثراء، ولكن لا أحد منهم أصبح ثرياً، بل عاد معظمهم (بخفين مثقوبين) عدا (مريم وإلهام) وأخواتهما – ربما. هكذا انتهى الحديث بالسيد ” معتز حسب الرسول” المتابع والناشط لفترة طويلة في مجال التسويق الشبكي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية