{ الدراميون في بلادنا يعانون بشدة.. يعانون سنوياً في إقناع الجهات التي تنتج لهم أعمالهم الدرامية.. يعانون في توفير المعدات وأدوات الإنتاج.. يعانون في إقناع الفضائيات ببث أعمالهم بصورة راتبة بعيداً عن شهر رمضان الكريم.. يعانون في استخراج حقوقهم من جهات الإنتاج بعد ذلك.. إلا أن أكثر ما يعاني منه الدراميون في بلادنا هو إقناع المشاهد السوداني أنهم (لا يمثلون) في أعمالهم الدرامية.
{ عندما استمع إلى “صلاح بن البادية” أو إلى “أبو عركي البخيت” أو الذين ظلوا لعقود طويلة يحتفظون بنجوميتهم وقدراتهم الأدائية العالية وحناجرهم التي لم يسلبها تقادم الزمن شيئاً ولا أخذ تتابع الأحداث والظروف من طلاوتها.. أتأكد أن سلوكيات الفنان والتزامه المجتمعي والإنساني يمكن أن يطيل عمره.. هذان المطربان يقدمان أنموذجاً للفنان الذي يكون جزءاً من المجتمع السوداني الرافض لكل أشكال التفلت والانسلاخ الأخلاقي.. سيرتهما البيضاء وسلامة عقليهما تجعلهما أيقونتين للفن السوداني الملتزم.
{ إذاعات الـ(FM) لا تفتأ تتزايد بمتوالية هندسية خلال كل فترة زمنية قصيرة.. نضوب المعينات المالية وعدم وضوح الأهداف والرؤية ومزاجية إداراتها ربما هو ما قاد بعضها إلى أن يصبح بمثابة (عبء كبير) على الإعلام السوداني وليس إضافة له.
{ كثير من تلك الإذاعات لا تمل من تجريب كثير من المتدرِّبين (على الهواء مباشرة)، كما أن كثيراً منها يستقطب بعض الذين فشلوا في تثبيت أقدامهم عبر الفضائيات فتلجأ إلى الاستعانة بهم ربما لأن سيرتهم الذاتية هي ما دفعت بهم و(زكتهم).
{ منطقياً إذن تصبح إذاعات الـ(FM) مجرَّد صدى لإذاعات أخرى إقليمية أو مجرَّد ظل لبعض الفضائيات، وهذا الأمر انعكس بالضرورة على عدم تمكنها من خلق أي نوع من التواصل بينها والمستمعين.
{ تضاءلت حظوظ كثير من أصحاب المواهب الحقيقية في أن يجدوا موطئ قدم لهم في المؤسسات الإعلامية الحكومية، لأن التعيين لأغلبها يتم عن طريق الولاء الأيديولوجي الذي أصبح- للأسف- معياراً ثابتاً حتى بعد تحوُّلات الحوار الوطني والبرلمان القومي، فما زالت المؤسسات لدينا وفيّة لعمقها الأيديولوجي.. لا يزال المؤتمر (يدوِّل) و(يجرِّب) أسماء بعينها لقيادة مؤسساته الإعلامية الكبيرة، كأنه لم يسمع بمقولة (المجرَّب لا يُجرَّب)، ولكنه لا يستبين النصح.. ولا يستمع له.
{ لذلك كانت النتيجة المنطقية أن أصبحت أغلب المؤسسات الإعلامية كسيحة.. فاقدة لمقوِّمات تأثيرها وليس لها القدرة على مناطحة المؤسسات الإعلامية الخاصة، رغم فقرها.. في الفضائية القومية وقناة الشروق يجد القارئ ضالته فيما أشرت إليه سابقاً.
{ لا نكف عن التنبيه إلى أننا نحتاج بشدة إلى أعمال درامية كبيرة ومؤثرة، تضطلع فيها الدولة بمسؤوليتها التاريخية في تنشيط الدراما لأنها تظل العمل الإبداعي الأسرع تأثيراً والأقدر على التعبير عن كثير من القضايا المجتمعية.. لا نمل من تكرار أن وزارة الثقافة لا ينحصر دورها في المكاتب المغلقة ورعاية (الورش) التي تغرق توصياتها داخل أدراج المكاتب.
{ استغرب كيف لبلد يزخر بهذا الكم الهائل من المثقفين والممثلين والمخرجين والمبدعين والقنوات الفضائية، ويعجز عن إنتاج عمل درامي ضخم يبرز هويتنا التاريخية ويناقش قضايانا الملحة بجرأة وقوة.. ليس ثمة رد سوى القول إنه (عجز القادرين على التمام).