وزير ممتاز
{ أصبح الثناء والإطراء وتشجيع من يعطي ويبذل الجهد شيئاً مستقبحاً في وسائل الإعلام التي وطنت نفسها على ذم الوزراء شخوصاً وتبخيس عطائهم وجهدهم.. ومن أخطاء الممارسات الإعلامية التي تجعلها في موضع اتهام عند السلطة أنها لا ترى في الأداء العام للدولة والحكومة إلا القصور والفشل.. وتتبع عورات النظام وزرع الإحباط في نفوس الناس.. ولكن وزراء الحكومة أنفسهم يساهمون في تشوهات الصورة العامة.. بشح عطائهم.. وصمتهم في وقت الإفصاح.. وحديثهم حينما يصبح الصمت فضيلة.. لأن أغلب وزراء حكومتنا لم يقرأوا رواية (قنديل أم هاشم) للأديب المصري “يحيى حقي” الذي ينحدر من أصول مورية وهو يقول إنه يفضل داء التأمل والصمت على داء التحدث!!
وزير ديوان الحكم الاتحادي “حامد ممتاز” الذي جاء لخلافة د. “فيصل حسن إبراهيم” في الوزارة الكبيرة بعد تجربة غير ناجحة في وزارة الخارجية، تعرض خلالها الشاب القادم للمؤتمر الوطني من الشعبي. وكان واحداً ممن يعدهم “الترابي” قادة المستقبل تعرض في الخارجية للتهميش مثله ورفيق دربه في الحزبين الإسلاميين ونعني الوطني والشعبي د. “عبيد الله محمد عبيد الله” وحتى “كمال إسماعيل” الدبلوماسي المولود مهنياً في وزارة الخارجية (أبعدوه) عشان خاطر طبيب الأسنان “غندور” الذي يعالج أمراض الدبلوماسية بالحشوة وقتل الجذور ويبقى على المشكلة في حالها..
لم يمكث “حامد ممتاز” طويلاً في ديوان الحُكم الاتحادي، الذي تعاقب على كرسيه نجوم سواطع في سنوات الحُكم الإنقاذي، وكان في عهد الديمقراطية الثالثة وبعض من سنوات مايو وزارة لا تحس لا صوتاً ولا تهفو لها قلوب العاشقين .. ولذلك كانت حديقة يتجول في عرصاتها الجنوبيون.. نفض “ممتاز” الغبار عن قانون ديوان الحُكم الاتحادي أو وزارة الحُكم اللامركزي.. ودفع به إلى البرلمان وارجو من القارئ الكريم أن لا يسأل كيف تعيش وزارة من غير قانون؟ وكيف تؤدي دورها ومهامها المنصوص عليها في الدستور لأن السؤال عن مثل هذه الأشياء تسوء السائل أو كما قال عز من قائل .
في يوم (الإثنين) الماضي أخذت ثمرات توجيهات “حامد ممتاز” تتساقط على تجربة الحكم.. فالوزير “ممتاز” الذي كان مهندساً لعمليات التفاوض وهو الذي يمسك (بالمصوات) أو (الكمشة) في مطبخ مقررات الحوار الوطني الذي نص على قيام مجالس الحكم المحلي.. وضع “ممتاز” إنفاذ هذه التوصية في جدول أعماله وأولوياته العاجلة.. وولاة الولايات أقبلوا على تكوين مجالس المحليات وهم لها كارهون.. وبصفة خاصة المعتمدين الذين يريدون حكماً بلا رقابة شعبية والولاة منذ أيام د. “نافع علي نافع” في ديوان الحكم الاتحادي رفضوا بطرق ناعمة وحجج قوية تكوين مجالس المحليات رغم أنف التوصيات المركزية وتوجيهات الرئيس.. وكان د. “عيسى آدم أبكر” والي جنوب كردفان أسرع الولاة في إنفاذ توجيهات “ممتاز” وتبعه آخرون من الولاة .. وطار “ممتاز” يوم (الإثنين) الماضي إلى كادقلي (لتدشين) مجالس المحليات واختار الوزير بدقة رمزية الولايات الأكثر إلحاحاً بتوسعة فضاء المشاركة السياسية ومن موضوع الحرج.. جاء ميلاد المجالس التشريعية التي رغم إصرار الوزير “الممتاز” على قيامها وتعيين عضويتها ممن يرضى عنهم السلطان .. ألا إن هذه المجالس ينعقد عندها الأمل في محاسبة المعتمدين ومراقبة الأداء المحلي بدقة ومراقبة الخدمات.. ومحاسبة المسؤولين ولكن هل تملك الحكومة شجاعة إطلاق يد المجالس المحلية لتفصل المعتمدين المتقاعسين عن خدمة الشعب وتصبح ممارسة هذه المجالس حقل (تجريبي لما هو قادم) على صعيد انتخاب الولاة من الشعب أو من ممثلي الشعب بدلاً من التعيين الحالي الذي رفضه جموع أهل الحوار الوطني بمن فيهم حزب المؤتمر الوطني نفسه.