أخبار

مواقف كبيرة.. سيارة عركي

محمد ابراهيم

{ لم أكد أنهض من أستديو قناة النيل الأزرق بعد نهاية إحدى حلقات برنامج (مساء جديد) الذي تمت استضافتي فيها وكان موضوعها عن العطالة… وقلت فيها إن مايفعله محجوب شريف منفرداً في تشغيل الشباب يفوق جهد المؤسسات الرسمية … حتى سحبني منتج الحلقة الصديق أمير أحمد السيد من يدي، ووضع في يدي هاتفه المحمول، وهو يقول لي إن شخصاً ما يود محادثتك.. انزعجت وقتها قليلاً… ولكن سرعان ما تسلل الصوت إلى أعماقي لأنني كنت أحفظ كل قسماته… وتهللت أساريري… وابتسمت حتى ضحكت بصوت مسموع.. فالصوت كان لمعلمي الأول… وملهمي… وكنت لأول مرة أتحدث معه… وخاطبني بقوله: (إزيك يارجل ياعظيم)… وقتها خلتني قدبلغت الجبال طولاً .. وكدت أن أطأ الثريا زهواً وخيلاءً…فكيف لمعلم وشاعر الشعب محجوب شريف أن ينعتني بصفة لا استحقها… وقتها تلعثمت… وحارت الحروف في لساني.. ولم أدر إلا بنفسي أقول له من شدة الارتباك (نحن أساتذتك… وأنت تلميذنا) ثم لم يلبث أن عرفت خطل ماقلته، فأعدت تصحيحه سريعاً قائلاً (معليش أعذرني أستاذي .. تعلمنا منك معنى الحياة).. قدم لي الدعوة لأتناول معه فنجالاً من الشاي .. ورغم الزهو والفخر الذي لم أحس به في حياتي لهذه الدعوة التي اعتبرها أهم دعوة تلقيتها في حياتي… إلا أن ظروف مرضه وسفره إلى الخارج لم يمكنني من تلبيتها .. ولازلت أشعر بالخزي… والندم… لعدم. تلبيتها.. رغم أنني صادفته بعد ذلك مرات متفرقة…. إلا أن حلقي لا يزال يحس بمرارتها.
{ التقيت “أبو عركي البخيت” قبل نحو أربع سنوات وهو خارج من واجب عزاء في أحد أحياء بحري.. وناداني وقتها (تعال أدفر معاي عربيتي دي).. وكانت سيارته من الموديلات القديمة للغاية.. دفرناها معاهو حتى اشتغل محركها… ثم تمر السنوات وألتقيه قبل فترة قصيرة بجوار مستشفى “أمبريال” بالخرطوم، وكنت أهم بالدخول إلى مقر الصحيفة، وكان كعادته خارجاً من المستشفى بعد زيارة أحد أصدقائه.. ثم أعاد التاريخ نفسه مرة أخرى، وقال لي: (تعال يا محمد أدفر معاي عربيتي دي)، وكانت ذات السيارة ذات الموديل القديم، فخاطبته ممازحاً: (هسه لو سايرت الواقع شوية واتزحزحت عن مواقفك كنت ح تكون سايق أحدث الموديلات)، رمقني وقتها بنظرة ثاقبة (والناس البنغني ليهم ديل نقول ليهم شنو؟).. صمت ولم أنطق شيئاً بعد ذلك..
{ وأحد أصدقاء الراحل “حميد” يتصل هاتفياً به فإذا به يتفاجأ بصوت طفلة صغيرة ترد عليه.. وعندما يجده يسأله عن سبب وجود الهاتف مع الطفلة.. فيخبره أنها صادفته في الطريق وطلبت منه أن يأتي لها بهاتف مثله.. فيمنحها الهاتف من فوره.. وعندما سأله: لكن تديهو ليها بشريحتو.. رد عليه “حميد” بلهجته المحببة: (جني وجن الفرحة الناقصي).
{ والراحل “محمود عبد العزيز” يعود من إحدى حفلاته الجماهيرية فيلتقي بعدد كبير من المشردين في (خيران) الخرطوم.. ثم يختفي فترة ويعود معبء سيارته بالعشاء.. ويوزع كل إيراد تلك الأمسية على المشردين وهو يبتسم بفرح طفولي.
مسامرة اخيرة..
وللأوطان في دم كل (مبدع حقيقي) دين مستحق

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية