لماذا وقف القتال؟ (1)
أصدر الرئيس “عمر البشير” قراراً باستمرار حالة وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر أخرى في المنطقتين (جبال النوبة والنيل الأزرق) ويتوقع أن تصدر الحركة الشعبية ذات الجناحين مواقف مماثلة بوقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر أخرى.. وذلك يعني بقاء الحالة الراهنة وديمومتها.
حالة اللا حرب واللا السلام!!
قد يبدو عنوان المقالة غريباً بعض الشيء، وإذا تم تفسيره بتربص وسوء نية قد يضع الكتاب في مرتبة واحدة مع دعاة الحرب الرافضين لوقف إطلاق النار من حيث المبدأ وهؤلاء غالبهم من الجالسين في الأرصفة لا يحاربون ولن يمسهم الضرر من الحرب!! ولكن بقراءة أخرى لعنوان المقال الاستنكاري لديمومة حالة اللا حرب واللا سلام التي تعيشها المنطقتان منذ أكثر من عامين لم تطلق رصاصة واحدة في جسد المنطقتين، ولكن في ذات الوقت لم يتحقق السلام وتعيش المنطقتان حالة ترقب وانتظار لما قد يأتي غداً.. التواصل الشعبي يمر من خلال نقاط التفتيش والتحري هنا.. وهناك.. ومن يعبر الخطوط الفاصلة ما بين مناطق سيطرة الحكومة وسيطرة التمرد يتهم بالعمالة، لهذا الطرف أو ذاك.. التعليم في مناطق شاسعة ومحليات تسيطر عليها الحركة الشعبية لا وجود له.. المواطنون تقتلهم الملاريا والأطفال ينتظرهم جنرالات الجيش الشعبي لبلوغ سن الرابعة عشرة للانخراط في معسكرات التدريب والفتيات يذهبن إلى يوغندا.. وكينيا بدلاً عن الخرطوم.. والثقة تتآكل والكراهية تتمدد.. والكنيسة تنهض على حساب المسجد.. المسلمون يتم تنصيرهم.. والدائرة الأمنية حول المدن لا تزيد عن بضع كيلومترات، وحركة النهب تنشط بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ومناطق سيطرة الحركة الشعبية.. وهناك (مستفيدين) من حالة اللا حرب واللا سلام، تضخمت أرصدتهم المالية.. وهناك مستفيدون من الحرب خسروا كثيراً من الإعلانات المتكررة بوقف إطلاق النار فمتى يستفيد غالب الشعب السوداني.. بإحلال السلام الشامل ووقف إطلاق النار المراقب وليس وقف إطلاق النار الذي يخاطب العالم الآخر.. ولا يخاطب جذور الأزمة في المنطقتين!!
الحكومة عازمة على تحقيق السلام وإرغام الحركة الشعبية على تجديد وقف إطلاق النار من فترة لأخرى حتى يبلغ اليأس مبلغه وتجد نفسها أي الحركة الشعبية مرغمة على وضع البندقية في مخازن السلاح.. وتقبل على تسوية موضوعية بعد أن تم تجريد الحركة الشعبية من ثيابها القومية المدعاة وحصرها في (كراكير جبال النوبة وشعاب الانقسنا) والحركة في حيرتها الحالية و(ترددها) وخوفها من التسوية ومعاركها الداخلية لا تقوى على خوض حرب إلا على نفسها ما بين تياراتها وأجنحتها المتصارعة!!
ولكن هل ما يحدث من وقف إطلاق النار وحالة اللا حرب واللا سلم وتعثر المفاوضات الخارجية يحقق أي قدر من الاستقرار والتنمية لإنسان المنطقتين.. الإجابة بالطبع لا.. فالأوضاع على الأرض (سيئة) جداً.. ومشروعات التنمية الكبيرة متوقفة إلا بضع اجتهادات وتدابير لحكومات الولائيين المغلوبين على أمرهما إزاء ما يحدث وحالة الصمت التي تطبق على الأوضاع وعدم الاحتجاج لا يعني القبول والرضا.. بما هو شاخص في المنطقة بقدر ما يعني الزهد في الصراعات.. واليأس من تغيير وتبدل الحال.
السؤال لماذا لم تجن المنطقة أمناً واستقراراً وتواصلاً من وقف إطلاق النار الذي امتد لنحو عامين ولا يزال مستمراً.
وما هي الآليات الشعبية التي يمكن استخدامها في التواصل الشعبي بين شعب واحد بعضه هنا.. وبعضه هناك. نواصل..